العدد 1330 - الخميس 27 أبريل 2006م الموافق 28 ربيع الاول 1427هـ

كيف يمكن أن تخسر ثقتك في الصحافة في عشر خطوات؟

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

إذا كنت صحافياً، وتريد أن تفقد ثقتك بمهنة الصحافة - فرضاً - فما عليك إلا أن تتبع عدداً من الخطوات، التي سيتكفل أي منها بالقضاء على ثقتك تماماً دون رجعة.

أولاً وقبل كل شيء، راقب زملاءك حولك، دقق نظرك في المتسلقين وصحافيي الصدفة، المتحذلقين منهم ومستغلي المناصب، المؤلفين البارعين والمحللين الرائعين والكاذبين أحياناً، دقق نظرك في ما يكتبه بعض زملائك، من أين جاء، ماذا يقصد وماذا يريد؟ راقب بدقة كيف يصبح المرء منهم بين يوم وليلة محللاً حصيفاً وسياسياً بارعاً، بل وصحافياً وإعلامياً قديراً أيضاً. ولأن البحرين تخرج دوماً مبدعين، فقد ابتكر بعض الإخوة أساليب إبداعية للكتابة الصحافية، ربما تدشن مدرسة صحافية جديدة لم تشهدها أية صحافة في العالم، لكن احذر، فهذه الوجوه تدعي أنها أبرز الوجوه «الإعلامية والصحافية» التي أفرزتها مرحلة الإصلاح، وما أكثر ما أفرزته هذه المرحلة.

ثانياً: راقب الصحف المحلية بلا استثناء يوماً واحدا، لتجد بوضوح مقتلاً شنيعاً لكل المبادئ التي تعرفها، وكل المعايير المهنية التي آمنت بها، وكل المصادر التي حرصت دوماً على الثبات عليها.

ثالثاً، شاهد تلفزيون البحرين، واستمع إلى القنوات الإذاعية المختلفة الخاصة منها والحكومية، واضغط على نفسك كثيراً وأنت تشاهد وتسمع وترى كل ما تقدمه تلك الوسائل الإعلامية الحصيفة من «عك».

رابعاً: اقرأ قانون المطبوعات والنشر والعقوبات الذي نص عليها، استمع إلى تصريحات وزير الإعلام في مجلس النواب، وراقب ردود فعل الصحافيين والإعلاميين عليها، هذه المواقف تحديداً قد تدفعك للكفر بهذه المهنة.

خامساً: إجلس في مكتبك في الصحيفة يوماً واحداً، وحاول أن ترد على مكالمات القراء، أو اقرأ تعليقاتهم على الموضوعات التي تنشر في الصحف، حاول أن تعرف بالضبط ما الذي يشدهم، ما الذي يقرأونه، وكيف يفسرون دور الصحيفة أو الصحافي، ستكتشف أهوالاً تجعلك تؤمن تماماً بأننا بحاجة إلى أجيال وأجيال قبل أن نصبح مجتمعاً بسلطات «أربع».

سادساً: حاول أن تقترب من المسئولين وأصحاب السلطة و«المصادر الإخبارية» كما يسميها الصحافيون، وتستمع إلى تعليقاتهم على الصحافي «الفلتة» الذي يعجبهم، والصحافي «المبتدئ» الذي لا يعجبهم، وينشر دوماً معلومات «عارية عن الصحة»، ويتعب قسم العلاقات العامة في مؤسسته بكتابة ردود مستمرة على ما ينشر ذاك الصحافي. حاول أن تعرف لماذا اعتبر الصحافي الأول «فلتة»، وبالتالي يمنح كل الأخبار والمعلومات والسبق الصحافي، ولماذا اعتبر الآخر «مبتدءاً» وغير دقيق حتى لو أفنى عمره في الصحافة.

سابعاً: حاول أن تتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني على اختلافها بمهنية، وأن تتقبل انتقادات تلك المؤسسات لأنك لم تنشر الخبر الفلاني أو الصورة الفلانية بالطريقة الفلانية، حاول أن تشرح لهم أن واجبك إعلامي وليس «إعلانياً»، واستمع إلى نقدهم المستمر للصحف التي لا تدعم أنشطتهم ولا تبرزها كما يجب.

ثامناً: تحدث مع زملائك عن المفهوم الغائب الحاضر «الموضوعية»، ذكرهم بأنه يجب أن يكون أمراً واقعاً في الصحافة، وليس مبدأ على ورق. حاول أن تقول لهم للمرة الألف بأن الرأي الشخصي، لا يمكن أن يكتب في الخبر، لأن الخبر حقيقة، وأن الخلط بين الرأي والحقيقة في الأخبار، هو الذي كرس مفهوم «كلام جرايد» ليقال عن أية معلومات لا أساس لها من الصحة.

تاسعاً: راقب التشتت والتشرذم الذي يعاني منه الصحافيون في البحرين، فالصحافيون تجمعهم مظلة واحدة في الدول المحترمة، بينما لا يمكن أن يجتمع خمسة منهم منتمين إلى صحف بحرينية مختلفة في مكان واحد دون أن يتحول هذا الجمع إلى معركة.

عاشراً: حاول أن تراقب كل صحيفة بحرينية على حدة، كيف كرست كل منها أساليب للانتماءات، حتى أصبح لكل صحيفة انتماء معين، وتيار معين، عززه المجتمع رغماً عن أنوفنا جميعاً.

عموماً، لا أعتقد أنك بحاجة إلى كل تلك النقاط العشر لكي تفقد ثقتك بالصحافة كمهنة في البحرين، فنقطة واحدة من هذه النقاط كافية جداً لتقضي على أية ثقة متبقية عندك. نقطة واحدة من النقاط السابقة، تشرح لك كم نحن كسولون، وكم نحن متساهلون، في التعامل مع الصحافة، رواد الصحافة، ومتلقيها. نقطة واحدة ربما تشرح لقارئ لا يعرف دهاليز هذه المهنة، كم يعاني الصحافي ليس في البحث عن المعلومة أو الخبر أو الخبطة الصحافية، ولا في فضح فساد مشترك في المجتمع، وإنما في الاعتراف بمنزلته كصحافي، المنزلة التي استباحها الجميع، ولم يعترف بها مجتمع، أو مصدر سلطة.

إن كنت تعتبر نفسك صحافياً، لأنك تعرف ما هي الصحافة وتؤمن بها وتسعى إلى تحقيق مبادئها، فعليك أن تتحمل اللعنات والاتهامات التي توجه إلى الصحافة كمفهوم كلي في هذا المجتمع، لأنك جزء منها شئت أم أبيت، وأنت مسئول عما يحدث فيها.

إن كنت صحافياً، حاول بجرأة أن تشرح لزملائك الذين يطلقون على أنفسهم صحافيين، وللمحيطين بك من القراء، كل المعاناة في النقاط العشر السابقة، والتي تعيشها كصحافي كل يوم. حاول أن تخبرهم بأن الصحافة مهنة، لها أصول يعرفها الذي اكتوى بنارها طويلا، حاول أن تشرح لهم أن الصحافة شرف، من المفترض أن لا يدعيه من ليس أهلاً له، وحاول أن تؤكد مرة أخرى مبدأ قديماً نسيه الكثيرون، مهمة الصحافة هي البناء، وليس الهدم، مهمتها المجتمع، وليس الفرد، مهمتها النقد البناء، وليس الهجوم، مهمتها السعي وراء هدف، يفضل أن يكون «نبيلا»

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 1330 - الخميس 27 أبريل 2006م الموافق 28 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً