أعلنت الولايات المتحدة حرباً مكشوفة على الفلسطينيين وحكومتهم الجديدة، واستخدمت فيها كل الوسائل المخجلة التي لا تتفق مع أبسط حقوق الإنسان والقوانين والأعراف الدولية. وأعرف كما يعرف غيري أن هذه الحرب ليست جديدة، فالأميركان يحاربون الفلسطينيين منذ أكثر من ستين عاماً، وهم واليهود وجه واحد لعملة واحدة، ولكنهم لم يظهروا عداءهم الشديد وخروجهم على كل القيم الإنسانية كما فعلوا هذه المرة. أزعجونا بكثرة حديثهم عن الديمقراطية وحرصهم على تطبيقها في عالمنا العربي، وبشرونا أن عراقهم الديمقراطي سيكون مصدر إلهام لكل الديمقراطيات العربية القادمة. كنا نعرف أنهم يكذبون وتأكدت هذه المعرفة بعد فوز حكومة حماس في الانتخابات. ولم تكتفِ الحكومة الأميركية بمنع مساعداتها عن فلسطين لكنها تمادت كثيراً في ضغوطها، ضغطت على الأوروبيين فمنعوا مساعداتهم، وضغطت على بعض الدول العربية لتقوم بهذا الدور أيضاً. وبالغت في وقاحتها فأعلنت أنها ستستفسر من قطر عن الجهة التي ستعطي مساعدتها لها، وكأن قطر إحدى ولاياتها! ولم تكتف بذلك بل إنها مارست ضغوطاً هائلة على المصارف كي لا تحوّل المساعدات للشعب الفلسطيني... أرأيتم مثل هذه الديمقراطية التي تمارسها أميركا في وضح النهار؟
الإسرائيليون مارسوا الدور نفسه، وزادوا عليه قتلهم للعشرات من أبناء فلسطين وتدمير ممتلكاتهم، ويتم كل ذلك بدعم أميركي معلن وصمت إسلامي مريب! وعندما قامت حركة الجهاد الإسلامي بالدفاع عن نفسها وبإمكاناتها القليلة كان الاحتجاج الأميركي عنيفاً والتهديد قوياً، ومرة أخرى كان الصمت العربي غير مفهوم ولا مبرر، أما وصف العملية بأنها «حقيرة» فهو أمر لم أكن أتخيله وقلت: ليت صاحبنا سكت!
مرة أخرى ما فعلته أميركا و«إسرائيل» ليس جديداً وهما ماضيتان في خططهما الاستعمارية، وأنا لا ألومهما عليه فهذه مصلحتهما ومن حقهما أن تحافظا عليها لاسيما وهما تريان أن مطالبهما مجابة، فلماذا تتوقفان مادام كل شيء يسير بسهولة ويسر؟ اللوم كل اللوم، يقع على الحكومات العربية والإسلامية، وعلى عاتق الشعوب، وعلى هؤلاء جميعاً معرفة وإدراك أهمية العمل الجاد والسريع في هذه الظروف التي لا تحتمل المماطلة والتسويف. أميركا تريد تجويع الفلسطينيين لإذلالهم وتركيعهم، والدول العربية يجب ألا تترك الشعب الفلسطيني تحت رحمة الأميركان واليهود ولديهم الإمكانات المادية الهائلة لإنقاذهم مما هم فيه. بلادنا - كعادتها - تحركت وأعلنت أنها سائرة في طريق مساعداتها للفلسطينيين وأنها لن تتوقف، وأملنا أن تزيد هذه المساعدات وأن يتم تشجيع القادرين من أبناء بلادنا على المساهمة فيها.دول عربية أخرى تحركت في هذا الاتجاه، لكن هذا التحرك يحتاج إلى المزيد كما يحتاج إلى الاستمرار. لكن دولاً أخرى تحركت في الاتجاه المعاكس، وما كان المؤمل منها أن تفعل ذلك لا في هذه الظروف ولا في سواها. أليس من العيب أن تعتذر دولة عربية عن استقبال وزير خارجية فلسطين وتهرول نحو قادة «إسرائيل» تدعو هذا وتحتضن ذاك؟ أليس من العيب أن تلفق دولة أخرى تهماً للحكومة الفلسطينية في هذا الوقت العصيب لتقول للعالم: إن هذه الحكومة إرهابية لتؤصل بهذا القول الاتهامات اليهودية والأميركية؟
جامعتنا العربية مع ضعفها حاولت أن تصنع شيئاً، ويشكر رئيسها عمرو موسى على ما فعلته الجامعة، لكن وضع الدولة الفلسطينية يحتاج إلى المزيد؛ يفترض في الجامعة أن تقوم بدور فاعل في تحريك الحكومات والشعوب لمساعدة الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم؛ سياسياً واقتصادياً. وأعتقد كذلك أن المنظمات الإسلامية لا يصح أن تسكت في هذه الظروف، فإننا لم نسمع شيئاً من منظمة المؤتمر الإسلامي ولا رابطة العالم الإسلامي ولا من المنظمات الأقل منها.
إن فلسطين مهددة، والأقصى يتعرض لمؤامرة الهدم، وليست بعض الدول العربية بعيدة عن الأطماع اليهودية، ولا يصح أن يقال: إن ما يجري في فلسطين لا يهم الدول الأخرى ولا شعوبها. هذا قول باطل من أساسه، فنحن نرى أن أميركا تخطط لاغتيال بعض دولنا على غرار العراق وأفغانستان، كما نرى الصهاينة يخططون للشيء نفسه ويعلنون هذا في أدبياتهم ومناهجهم، وما لا يتم اليوم قد يتم غداً. ومن واجب الشعوب أن تتحرك لنصرة إخوانهم في فلسطين فلا يصح أن نراهم يموتون ونحن نتفرج عليهم، ومن العار أن يشارك بعضنا في حضور جنازتهم. وإذا كنت أتمنى من كل الحكومات والشعوب أن تمارس دورها الحقيقي في هذه الظروف فإن الأمنية الأكبر أن يقوم كل الفلسطينيين بهذا الدور.
إن الاقتتال أو التفرق بين الفلسطينيين غير مقبول على الإطلاق وسيؤثر عليهم جميعاً وسيكون في مصلحة الصهاينة الذين يتمنون أن يقتتل الإخوة ليضعف الجميع وينتصرون هم في النهاية. وإذا كانت حماس وصلت إلى السلطة بطريق مشروع فمن واجب الجميع أن يقفوا معها ليكونوا جميعاً أقوياء، وعليهم أن يقبلوا بصدق نتيجة الانتخابات التي اعترفوا بشرعيتها
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1329 - الأربعاء 26 أبريل 2006م الموافق 27 ربيع الاول 1427هـ