صور المشاهد العربية لا تبشر بالخير. في مصر هناك توتر طائفي معطوفاً على هجمات تشنها منظمات سرية على منتجعات سياحية. وفي فلسطين هناك توتر سياسي بين «حماس» و«فتح» معطوفاً على حصار دولي (أوروبي - أميركي) ضد الشعب الفلسطيني عقاباً على اختياراته الديمقراطية. وفي الأردن هناك مقاطعة رسمية لحكومة «حماس» معطوفة على اتهامات وجهها رئيس الحكومة الأردنية لسورية بتهريب أسلحة لمنظمات فلسطينية. وفي لبنان هناك ما يشبه الجمود السياسي انتظاراً لما ستسفر عنه نتائج التحقيق الدولي بشأن اغتيال رفيق الحريري. وفي العراق هناك حركة دبلوماسية أميركية مباغتة بدأها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ثم وزيرة الخارجية كوندليزا رايس عقب الاتفاق على تعيين رئيس حكومة جديد للوزارة المقرر تشكيلها محاصصة بين الأطياف السياسية.
إلى هذه الصور القاتمة توجد أيضاً أشرطة منسوبة إلى أسامة بن لادن وأبومصعب الزرقاوي تتضمن حزمة من التهديدات للحكومة العراقية التي لم تتشكل بعد وكذلك للأنظمة العربية من دون تعيين لأهداف محددة.
المنطقة إذاً غير مستقرة لا في بلاد الشام ولا في بلاد الرافدين ولا في أرض الكنانة. حتى السودان بدأ يدخل في دائرة خطرة إثر تلك القرارات الدولية التي أخذت تطول بعض المسئولين المتهمين بارتكاب مخالفات ضد حقوق الإنسان في إقليم دارفور.
هناك إذاً أكثر من دائرة متوترة في المنطقة. وكل هذه الدوائر مترابطة الحلقات حتى لو ظهرت وكأنها مستقلة عن بعضها بسبب اختلاف ظروف كل واحدة منها أو ابتعاد كل حلقة جغرافياً عن الأخرى. إلا أن النتيجة واحدة وهي في مجموعها العام محكومة بمعادلة تتحكم بها ضغوط دولية تحرك خيوطها الولايات المتحدة.
الاضطرابات في مصر مثلاً يقصد منها إرباك الحكومة وإلهاء القاهرة بمشكلات داخلية تمنعها من التفرغ للمساهمة في معالجة قضايا إقليمية. والتوتر السياسي الذي اندلع بين «حماس» و«فتح» يعطل إمكانات التضامن الأهلي لكسر الحصار الدولي الذي أخذ يشتد على الشعب الفلسطيني بذريعة أن الحكومة الحالية لا تعترف بـ «إسرائيل». والاتهامات التي وجهتها الحكومة الأردنية لدمشق تأتي في ظرف تتعرض فيه سورية لمجموعة ضغوط دولية تتصل بسلسلة ملفات تبدأ بلبنان وفلسطين وتنتهي بالعراق وصولاً إلى تحالفها مع إيران. والتراشق الكلامي بين فرقاء القوى اللبنانية قبل ساعات من بدء الحوار الوطني «الموقوف» يقصد منه منع الأطراف من التواصل حتى لا تتوصل إلى تسوية مؤقتة تمنع الاحتقان من الانفجار.
هذه الحلقات، مضافاً إليها ذاك المشهد العراقي الذي يخيّم بثقله السياسي على المنطقة، تشير إلى وجود تحركات دولية تقودها أميركا باتجاه إثارة المزيد من الاضطرابات تحت غطاء دبلوماسي يريد انتزاع مواقف محددة تدعم استراتيجية واشنطن في الضغط على طهران بشأن ملفها النووي.
الهدف إذاً محاصرة إيران ومحاولة عزلها سياسياً عن نقاط التوتر في المنطقة العربية قبل اجتماع مجلس الأمن الذي يتوقع أن تصدر عن دوله مجموعة مواقف ترسم حدود التوتر الذي تريد واشنطن رفع درجة حرارته بغية تشديد طوق العزلة والحصار. ومثل هذا الطوق من الصعب التحكم به إذا لم تنجح واشنطن في سد المنافذ والمخارج والمداخل التي تشكل ما يشبه المجال الجغرافي الحيوي للحراك الإيراني الممتد من العراق إلى فلسطين ومصر.
عزل إيران عن دائرة المنطقة العربية - الإسلامية مسألة صعبة ولكن إدارة البيت الأبيض تحاول فرض ما يشبه الطوق السياسي من خلال تحريك التوترات وإثارة الاضطرابات وزعزعة الاستقرار الداخلي لبعض الدول بقصد إشغالها بمشكلات محلية تعطل عليها إمكانات التواصل أو التضامن في حال قررت واشنطن اتخاذ خطوة مغامرة.
صور المشاهد العربية لا تبشر بالخير وكلها تشكل نقاط ارتكاز لسياسة أميركية قررت منذ إسقاط بغداد في العام 2003 إدخال المنطقة في حقل ألغام يهدد أمنها لمصلحة استقرار «إسرائيل»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1329 - الأربعاء 26 أبريل 2006م الموافق 27 ربيع الاول 1427هـ