ناقشنا في مقال أمس (الأربعاء) آخر تطورات برنامج الخصخصة، مثل تحويل تشغيل محطة الحد فضلاً عن الموانئ لعهدة القطاع الخاص. ونزعم في مقال اليوم بأن عملية الخصخصة مفيدة للاقتصاد البحريني. وتتمثل هذه الفوائد في إخراج الحكومة من الاقتصاد فضلاً عن جلب الاستثمارات والخبرات.
إخراج الحكومة من التجارة
المؤكد أن برنامج الخصخصة يدخل ضمن الخطط الرامية لتحرير الاقتصاد من سيطرة القطاع الحكومي، وهو توجه صحيح طال انتظاره. وللتأكيد فإننا نرى صواب برنامج الخصخصة حتى يتسنى للقطاع الخاص ممارسة دوره الطبيعي في الاقتصاد المحلي. والمعروف أن القطاع الخاص بمقدوره أن يدير المشروعات ويقدم الخدمات بشكل أفضل بسبب تركيزه على الربحية، ما يعني ضرورة تقديم القيمة والخدمة للزبائن.
وللتوضيح، فإننا لا نزعم أن القطاع العام سيئ بل ان وظيفة الحكومة تكمن في تنفيذ القرارات وليس في منافسة القطاع الخاص في الأمور التجارية. وخير مثال على ذلك الدور المناط بهيئة الاتصالات للتأكد من وجود منافسة بين الشركات العاملة في قطاع الاتصالات.
وعلى العموم، كشف تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2004 عن تفشي ظاهرة عدم الكفاءة والفساد المالي والإداري في الدوائر الرسمية، بل وحتى بعض المؤسسات الوطنية المرموقة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر نبه التقرير إلى وجود تصرفات غريبة في وزارة الداخلية، مثل عدم احتفاظها بقائمة متكاملة ومحدثة فيما يتعلق بالعقود المبرمة مع أطراف خارجية وتاريخ انتهائها. أيضا كشف التقرير حدوث تلاعب في تنفيذ مكرمة سمو رئيس الوزراء للعام 2004 بخصوص إسقاط المبالغ المستحقة على المواطنين والأسر المحتاجة، إذ تبين حدوث حالات من التلاعب فلم تحصل 352 أسرة (من أصل 2183 أسرة) محتاجة على المكرمة، وفي المقابل تم تطبيق الإعفاء على أفراد بينهم أجانب وجهات ومؤسسات غير مشمولة في المكرمة. كما تضمن التقرير انتقادات لاذعة لشئون السياحة لعدة أسباب من بينها حقيقة مرة مفادها أن 75 في المئة من المنشآت السياحية في البلاد تعمل من دون تراخيص صالحة. وأشار التقرير أيضا إلى حدوث تجاوزات كثيرة ومتنوعة في الأوقاف الجعفرية مثل تأخير مطالبة أعضاء مجلس الإدارة بالايجارات المستحقة عليهم، فضلا عن رصد حالات من استغلال الأراضي من دون عقود، إضافة إلى استمرار تجديد عقود إيجار بعض الأراضي بأسعار رمزية ومتدنية مقارنة بالأسعار السائدة في السوق.
جلب الاستثمارات
يساهم برنامج الخصخصة في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الأمر الذي يخدم عملية تنشيط الاقتصاد المحلي وبالتالي إيجاد فرص عمل جديدة. وكما أشرنا بالأمس، تبلغ كلفة عقد تحويل عهدة محطة الحد (المرحلتين الأولى والثانية) فضلا عن تنفيذ المرحلة الثالثة مبلغاً قدره مليار و250 مليون دولار (أي 471 مليون دينار). فهذه الأموال ستدخل البلد أو بالأحرى خزانة الدولة، وبالتالي المطلوب من الجهات الرسمية استثمار هذه الأموال في الاقتصاد المحلي.
الاستعانة بالخبرات
كما أن الحاجة لوجود مؤسسات القطاع الخاص في تشغيل بعض الخدمات الحيوية في البلاد مثل محطات الكهرباء والماء باتت مهمة في ضوء بعض التجارب المرة. فقد كشفت تجربة أغسطس/آب من العام 2004 (انقطاع الكهرباء) أهمية وجود إدارة تتمتع بالكفاءة، والأهم من ذلك تبقى مسئولة أمام الشعب أو نوابهم، الأمر الذي لا ينطبق بالضرورة تصرفات القطاع العام. وكان أمراً متوقعاً لكن المخيب تنصل الحكومة من تبعات أزمة «الاثنين الأسود» وعدم قبولها تعويض المتضررين. وفي المقابل لا مناص للشركات الخاصة من تحمل تبعات أخطائها.
كما أنه ليس من الصواب التخوف من قيام شركات أجنبية بإدارة بعض الخدمات الحيوية في البلاد. بادئ ذي بدء، علينا أن نعي مسألة مهمة وهي بقاء الأصول في البحرين في كل الأحوال، فليس بمقدور الشركات الأجنبية أخذ الأصول معها للخارج حتى في حال قررت التخلي عن عقودها. وثانيا ما يهم في نهاية المطاف هو حصول المستهلك على أفضل خدمة ممكنة وبسعر تنافسي بغض النظر عن مقدم الخدمة. كما أن الإدارة الصحيحة للمشروعات والخدمات ستعزز من القدرة التنافسية للاقتصاد البحريني في ضوء زيادة حدة المنافسة التجارية بين اقتصادات المنطقة وخصوصا إمارة دبي ودولة قطر.
حقيقة نتمنى أن نرى تخصيص المزيد من القطاعات والخدمات، بل ان الصواب أن يتم تحويل بعض الخدمات (مثل إدارة السجون) إلى عهدة القطاع الخاص كما هو الحال في بعض الدول المتقدمة. على العموم يلاحظ أننا أهملنا الجوانب السلبية لبرنامج الخصخصة نظرا إلى اعتقادنا بأنه ليست هناك سلبيات تستحق مناقشتها. باختصار يمكن القول إن برنامج الخصخصة سيساهم في إخراج الحكومة من الاقتصاد وذلك هدف نبيل بحد ذاته نظرا إلى ان القطاع العام يعاني من عدم الكفاءة والفساد (لاحظ تقارير ديوان الرقابة المالية)
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1329 - الأربعاء 26 أبريل 2006م الموافق 27 ربيع الاول 1427هـ