هل نترك المسار المعترف به ونسلك طريقاً مجهولاً، غامضاً لم يأخذ من قبل؟ هل هناك ما يمنعنا من أن نقوم بغير المتوقع، بالسعي وراء الجديد ومخاطرة ضمان الوقت الراهن لمستقبل قد يكون أو لا يكون؟ لكل واحد منا؛ مهما كانت ظروف حياته وتجربته الخاصة، أحلام تبقى مجرد أحلام فارغة، لم نجرؤ على تحويلها إلى أهداف نثابر من أجل إنجازها. تمر الأيام و ها نحن نبقى كما نحن، نعمل فقط المطلوب لمسايرة ظروف الحياة و تحقيق رغباتنا الاستهلاكية.
الجديد في كل أمور الحياة، من الأعمال التجارية إلى الأبحاث العلمية والفنون، لا يمكنه أن يتطور إذا بقينا نحن في إطار المتوقع ولا نحاول الإبداع والتشكيك أو مساءلة والتحقق من الأمور الحالية. كل تطور ملحوظ وجذري يتطلب المساءلة الجريئة.
كم من حضارة قامت على أسس حضارات باتت؟ أقل مما تتوقع. فمعظم الحضارات المؤرخة هي قرى أو مدن تحولت إلى إمبراطوريات وحضارات لأنها اتخذت على عاتقها بأن تسلك طريقاً جديداً، وتضع حجر الأساس لمفهوم جديد يسود كل ما تفعله.
اليوم يوضع حجر الأساس للمرفأ المالي، لمركز التجارة العالمي، لمنتجع العرين و غيرها من المشروعات. لكن في ذلك مسعى واحد يستقطب جميع المشاركين في هذه المشروعات: الأرباح والأموال. لا عيب في ذلك، فهو ما يوظف الناس ويساعد على مشاركة الجميع في الازدهار الاقتصادي والاستفادة من ارتفاع السيولة. لكن هل هذه الإنجازات بمثابة خطوات أولية لحضارة سيتذكرها التاريخ و ينظر إليها الأجيال القادمة بعزة وفخر؟ ربما، ولكن الحضارة لا تبنى عبر المباني الشاهقة والحديد والزجاج كما سبق وذكرت. فالحضارة، مهما كانت وأياً كانت، هي أنت، هي الأفراد الذين هم المجتمع والذي يرجع إليهم القرار في إنفاق أوقاتهم وأموالهم بحسب رغباتهم... بحسب أحلامهم وبحسب أهدافهم التي يكرسون أنفسهم من أجل تحقيقها. فالتاريخ يبرهن لنا بأن المال مجرد وسيلة. مجرد وسيلة كأي وسيلة أخرى (مثل الوقت) للحرب والسلام، للعمل والفنون، وغيرها من أمور الحياة. وهذا يعني بأن المال ليس بصانع الحضارات، وينبهنا بأن نكف عن التأمل والحلم عما قد يكون، ونقوم بتفعيل الأمور التي دوماً بقيت في قلوبنا كأحلام.
قد يفقد الكثير منا البساطة لمجرد الحلم والمحاولة البريئة بعدما نكبر و ننغمر بأمور الحياة. نكبر ونتزوج ونكون عائلة لكن هل في ذلك شيء يمنعنا من أن نستمر في العمل من أجل تحقيق ما ينظر إليه البعض و كأنه خارج عن المعتاد وربما التهور؟ كلا، فلا يقف في أمام طريقك شيء، كما لم يقف أمام كبار رواد الأعمال والشخصيات المهمة. كم من رائد واجه من خالفه الرأي، وحاربه وضحك عليه، بينما استمر الحالم الهادف إلى برهنة صحة رؤيته، مهما كانت، تجارية، فنية أو حتى فكرية
العدد 1328 - الثلثاء 25 أبريل 2006م الموافق 26 ربيع الاول 1427هـ