العدد 1328 - الثلثاء 25 أبريل 2006م الموافق 26 ربيع الاول 1427هـ

كرة «العدالة» في ملعب الحكومة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طال الزمان أو قصر، سيظل موضوع المعذبين والمنتهكة حقوقهم طوال ربع قرن، من الموضوعات العالقة بالذاكرة الوطنية، تنتظر التعامل بروحٍ إنسانيةٍ متحضرةٍ تليق بالبحرين.

ندوة «مقاربات العدالة الانتقالية»، التي عقدت هذا الأسبوع، وحضرها خبراء دوليون، ونواب وجمعيات حقوقية وسياسية بحرينية، وإن غلبت على لغة الكثيرين منهم نبرةٌ من الشك العميق في تعاطي السلطة إيجابياً مع الموضوع، إلا أن التفاؤل ظل هو الغالب، ليس لأنه حلٌ وتضميدٌ لجروح آلاف المواطنين الذين دفعوا كلفة الإصلاح الباهظة فحسب، وإنما أيضاً لأنه ضرورةٌ تاريخيةٌ ستمهّد الطريق أمام غدٍ أفضل، تتجاوز فيه البحرين الممارسات الوحشية اللاإنسانية بحق المواطنين لمجرد تبنيهم وجهاتِ نظرٍ مخالفة للحكم.

الندوة سادتها لهجة المصالحة، حتى حركة «حق» التي وصفها الكثيرون بالتطرف في المواقف، شاركت في الندوة وقدّمت وجهة نظر معتدلة وبلغةٍ هادئة. والقضية عموماً قضيةٌ إنسانيةٌ لا تقبل المساومة أو التسييس، تبحث عن «عدالةٍ» ضائعة، وآلافٌ ينتظرون «الإنصاف» بعد خمسة أعوام من الإصلاح. مع التسليم المسبق بأن أي تعويض مادي أو معنوي لن يعوّض الضحايا إطلاقاً عن أفضل سنوات العمر التي قضوها وراء القضبان، ولن يعيد إليهم فترة الشباب.

المجتمع العالمي المتحضّر استطاع في حالاتٍ مشابهة أن يطور مفهوم «جبر الضرر» بدمج الضحايا في نظام الضمان الاجتماعي والصحي كنوعٍ من التعويض، إضافةً إلى اعتماد آلياتٍ تمتصّ الغضب وتنفّس الاحتقان، مثل جلسات الاستماع والمصارحة. وهي تجارب ليست مستحيلةً إذا ما توافرت النية الصادقة لطيّ صفحة الماضي المظلم بسوءاته وسيئاته.

كنت أتوقّع أن أستمع إلى خطاباتٍ ناريةٍ تطالب بالثأر والقصاص من الجلادين، إذ كان من المنظّمين اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب، التي تحمل على عاتقها مهمةً صعبةً، لإنصاف ضحايا كُثر، لكن حتى هذه اللجنة كانت لجهتها معقولةً تماماً.

الشخصيات الأخرى، لم تخرج عن إطار الاعتدال العام، فهذه هي روح البحرين المترفّعة عن الثأر والانتقام، وفي الوقت نفسه لها مطلب معقول: «الإنصاف». النائب آل الشيخ تكلّم عن أصنافٍ من الضحايا: شهداء ومفصولين مدنيين وعسكريين عن أعمالهم، وقال إن قانون 56 حصّن من مارسوا الانتهاكات، وسلب الحقوق السياسية، فيما نجد أنفسنا في وضعٍ تزداد تعقيداته، مع قضايا معتقلين جدد، وهو وضع أرجعنا إلى العام 2001، بما يحتاج إلى مبادرةٍ لفتح الحوار مع القيادة السياسية كما قال.

الصحافي رضي الموسوي سأل: هل ستتفق الجمعيات على هدفٍ واحد: بماذا نبدأ، بالمحاسبة أو التعويضات وجبر الضرر؟ وهل يمكن أن نقنع القيادة بقرارٍ جريءٍ من هذا النوع؟ وخصوصاً أننا أمام مرحلةٍ تاريخيةٍ شهدت ارتفاع أسعار النفط بما يسمح بتجاوز هذه العقبة.

الناشط محمد المران قال: «إن كل من تعذّبوا هم إخواننا، ولابد من زرع الثقة بين الطائفتين لخلق قاعدةٍ قوية، فأنا من ضحايا التسعينات، والكل كان يرفض التعامل معي، وبقيت من دون عملٍ لمدة 7 سنوات».

القضية قضيةٌ وطنيةٌ صارخة، ويجب ألا نغالط أنفسنا أو نسمح لبعض المتطفلين على السياسة وعلى حقوق الإنسان بخلط الأوراق. والجهات الأهلية مدّت أيديها لتيسير الحل، والكرة الآن في ملعب الحكومة... والكل بالانتظار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1328 - الثلثاء 25 أبريل 2006م الموافق 26 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً