التقيت يوم أمس مع الشيخ محمد بن عبدالله بن خالد آل خليفة وكيل وزارة الدفاع... وعندما رأيته سرح بي الفكر بعيداً حتى وصل إلى حقبة نهاية الثمانينات وأول التسعينات من القرن الماضي.. يومها كان محمد (كما نسميه) قائداً للخدمات الطبية والمدير العام لتنفيذ مشروع المستشفى العسكري.
مشروع إنشاء المستشفى العسكري في حينها كان مشروعاً كبيراً... لذلك استغرق وقتاً وفكراً كبيرين لوضع التصاميم، ومن ثم اختير الأخ فهمي الجودر مهندساً منسقاً (بين قوة الدفاع والشركة المنفذة) ومشرفاً للمشروع... وقد كان وقتها يعمل ضابطاً ومهندساً في مديرية الأشغال العسكرية التابعة لقوة دفاع البحرين.
المستشفى العسكري يحتوي على 300 سرير، وبواسطة المدير العام للمشروع (محمد) والمهندس المشرف (فهمي الجودر) ثم تنفيذ المستشفى في فترة تعتبر قياسية... وبإجمالي مبلغ يقل عن 15 مليون دينار بحريني... وهذا المبلغ شامل كل شيء من مبنى ومواقف سيارات، ومطابخ ومغاسل، وتأثيث جميع الأجنحة والممرات والغرف، وشراء جميع الأجهزة الطبية الضرورية وغير الضرورية.
هذا كان منذ نحو 16 سنة... وإذا أردنا في وقتنا الحاضر (في العام 2006م) أن نبني مشروعاً مماثلاً فمن المحتمل أن نزيد على المبلغ الإجمالي 30 في المئة، أو حتى 50 في المئة كحد أقصى... ليصل السعر الإجمالي إلى 23 مليون دينار بحريني... يعني تقريباً يكون هذا المبلغ مقبولاً لبناء مستشفى متكامل... وبجميع أثاثه وأجهزته الطبية... ويسع لنحو 320 سريراً بحسب المقياس الطبي للمستشفيات.
لكن الملاحظ الآن أن المستشفى الذي ينشأ حالياً في مدينة المحرق... تحت مسمى مستشفى الملك حمد والذي يحتوي على 320 سريراً فقط... هو أن سعر إنشائه بلغ 50 مليون دينار بحريني، وهذا مبلغ كبير جداً إذا نحن أردنا مقارنته مع المبلغ الإجمالي الذي كلف خزينة الدولة لإنشاء المستشفى العسكري... وحسب ما هو معروف لدينا فإن التضخم في مبلغ الإنشاء للمستشفى لا يمكن أن يصل إلى هذه المستويات والفروق الكبيرة في هذه المدة الزمنية القصيرة... ولابد من وجود أسباب أخرى لهذا الفرق الكبير.
المهندس المشرف على إنشاء المستشفى العسكري الأخ فهمي الجودر هو نفسه الآن وزير الأشغال... يعني هو الوزير المشرف على مشروع إنشاء مستشفى الملك حمد في مدينة المحرق، وهو يعرف الأسعار بصورة جيدة إن لم تكن ممتازة... وهو الوحيد القادر على إعطائنا شرحاً مفصلاً عن مبلغ 35 مليون دينار التي هي الفرق بين مبالغ إنشاء مستشفيين متشابهين في الحجم ومختلفين قليلاً في التوقيت.
في هذه الأيام أصبح الرقم 50 مليون دينار متداولاً كثيراً في البحرين، وكل مشروعاتنا التي نفذت أو التي قيد التنفيذ تحمل نفس الرقم، أو أحياناً أكثر منه بقليل، ولكنها لا يمكن أن تكون أقل منه... 57 مليون لإنشاء حلبة البحرين الدولية، و55 مليون لشراء خليج توبلي، و55 مليون لإستملاك أراض في القرى، و55 مليون لإستملاك أراضي في شمال المحرق، و55 مليون لشراء البحر شمال الدراز، و55 مليون لإنشاء شارع في رأس البر، و55 مليون لعمل جسور معلقة في الزلاق، و50 مليون لعمل مستشفى يكلف أقل من نصف المبلغ، و55 مليون لشراء حاجة لزوم الحاجة إياها... وهكذا.
أصبح هذا المبلغ على لساننا مردداً بكثرة، وتعودت عليه حنوكنا مثل العلكة... وصار لدينا معلوماً ومفهوماً... ولكن الغير مفهوم هو الإجابة على الأسئلة الذي دائماً ما نكررها: هل صحيح أن الكلفة الإجمالية لهذا المشروع أو ذاك قيمتها ما هو معلن؟... وكيف حصلت هذه الفروقات في السعر؟... ومن أين سنأتي بهذه الأموال الكبيرة ونحن دائماً ما يطلب منا شد الحزام؟... هل الأموال موجودة ومخفية؟... هل الأموال ستأتي على شكل قروض من الخارج؟... لماذا تنفيذ المشروعات محصور في شركات معينة تحسب على نصف أصابع اليد الواحدة؟... هل الموضوع فيه دغلباز؟... والله لاندري.
نحن لا ندري ولا نعلم... وياريت وزارة الأشغال تتفضل علينا ببعض المعلومات حتى نفهم ونعلم... وكل ما نطلبه منها هو التوضيح حتى لا تساورنا الشكوك ونضيع في حيص بيص المعلومات... يوم يقولون إستملاك للبحر، وفي اليوم الآخر يقول الوزير لا نريد الإستملاك في البحر لأننا اشترينا القرى... ونحن نقول أفيدونا... أفادكم الله
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1327 - الإثنين 24 أبريل 2006م الموافق 25 ربيع الاول 1427هـ