يلحظ القارئ وبكل أسف شديد تزايد نبرة الطرح الطائفي لدى بعض الكتّاب في صحافتنا المحلية، وهو طرح خاطئ تماماً، بل هو أحد معاول هدم الوحدة الوطنية التي عُرف بها شعب البحرين منذ تاريخه الطويل، ويسيء إلى أصالة البحرين وتميز حضارتها وبعدها الثقافي. ويتعارض هذا الطرح مع مبادئ ونصوص ميثاق العمل الوطني الذي رسمه عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وفق مشروعه الإصلاحي، إذ قال: «نريده ميثاقاً للوطن ووثيقة للعهد وركيزة لعقد اجتماعي جديد في مسيرتنا الوطنية، يرسخ ويوثق أصالة البحرين وتميزها وتراثها الحضاري، ويؤكد وحدة الوطن أرضاً وشعباً».
إن ضرب الوحدة الوطنية من خلال أقلام مغرضة هو أخطر ما يهدد الأمة ويؤدي إلى خلق مشكلات لا حصر لها، وقد استغل البعض الحرية التي منحها الميثاق والدستور المتمثلة في حرية الكتابة والتعبير، فأخذ ينفث السم الزعاف من دون وازع من ضمير، محاولاً إشاعة الفوضى في النظام، ومعبراً عن كراهية وحقد مقيت لهذه الفئة أو تلك، متخذاً نهجاً متشدداً تغلفه العصبية بكل أبعادها.
إن جلالة الملك وهو رمز الوطن كله نادى بالوحدة كأهم مطلب يتم من خلاله بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وبشر بمستقبل واعد مزدهر للجميع. فلماذا لا نتغنى بهذه الأقوال العظيمة ونجعلها منهجاً لنا في حياتنا وبناء مؤسساتنا المجتمعية وعلاقاتنا الاجتماعية.
ارجعوا أيها الإخوة والأخوات إلى تاريخ صحافتنا المجيدة التي بدأت مسيرتها منذ العام 1939 وازدهرت إبان فترة خمسينات القرن الماضي، وأخذت تحث الخطى إلى الأمام في عقد الستينات، فستجدون كبار الصحافيين والكتاب قد سخروا أقلامهم لمحاربة الطائفية البغيضة، وطالبوا بالوحدة والإخاء، ونبذ شرور الفتن التي تمزق أوصال المجتمع، ومن بين أولئك عبدالله الزايد، وحسن الجشي، وإبراهيم حسن كمال، وإبراهيم العريض، ومحمود المردي، وعبدالرحمن المعاودة وغيرهم كثيرون. ولقد فتشت في بطون تلك الصحف فلم أجد قلماً مغرضاً يثير النعرات الطائفية أو يتغنى بها كما يحلو للبعض في هذه الأيام، بل وجدت العكس من ذلك، محاربة الطائفية بكل تلاوينها، ورفض الأقلام الطائفية من ولوج الصحافة وبث سمومها على صفحاتها. فلماذا يا ترى لا نقتفي آثار أولئك الكتاب والصحافيين؟ ولماذا لا نقتفي في الوقت الحاضر آثار المفكر العربي الكبير محمد جابر الأنصاري، الذي يتمتع بفكر نيّر، ويحاول في جُلّ كتاباته ترسيخ مفهوم الوحدة وحب الوطن؟
لقد سخر المفكر محمد جابر الأنصاري قلمه الرصين لتوعية الأمة بالأخطار المحدقة بها، فحارب التعصب، والفكر الذي يقصي الآخر. كما حارب التشدد الأعمى، ونادى بالتسامح والوسطية، ودعا إلى التسلح بسلاح العلم والمعرفة من أجل أن تكون الأمة قوية في وحدتها واقتصادها، ومحافظة على تراثها وقيم دينها الإسلامي الحنيف.
ويلمس المرء أفكار الأنصاري ورؤاه الفكرية المعبّرة عن كرامة الأمة وحب الوطن، ومطالبته بالوحدة والمحافظة على النسيج الوطني، في جميع مقالاته الصحافية المتعددة ومؤلفاته المنشورة الكثيرة. لقد آن الأوان لتحلي الجميع بالصبر والحكمة ونكران الذات وأن تطوى صفحة الماضي، وأن يتم إلقاء الأقلام المغرضة وتلك التي تثير النعرات الطائفية في عرض البحر إلى غير رجعة. فالموضوعات والقضايا التي تهمّ الوطن والمواطن كثيرة وهي التي يجب إبرازها لأنها الوسيلة الوحيدة التي تعبّر بصدق عن حب الوطن... وحب الوطن من الإيمان
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 1327 - الإثنين 24 أبريل 2006م الموافق 25 ربيع الاول 1427هـ