العدد 1327 - الإثنين 24 أبريل 2006م الموافق 25 ربيع الاول 1427هـ

الاستثناء الفلسطيني (2)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هذه الخصوصية بدأت تتلاشى بعد توقيع «اتفاقات أوسلو» إذ أخذ الاستثناء يتقلص لمصلحة تلك القاعدة العامة حين انتقلت الفصائل من المنافي والشتات إلى الضفة والقطاع. في التسعينات بدأت تتشكل حالات طارئة على الكتلة الفلسطينية حين ظهرت ملامح سلطة محلية تدير بحدود نسبية شئون الشعب في إطار علاقات محكومة في النهاية بإرادة الاحتلال. هذا التشكل الجديد أوجد سلسلة تفاوتات بين كتلة فلسطينية تعاني من الاستيطان الإسرائيلي في أراضي 1948، وكتلة أخرى تعاني من الاحتلال في أراضي 1967، وتكتلات أخرى موزعة على مخيمات منتشرة في الدول العربية المجاورة.

هذا التوزع السكاني زعزع كفاح الشعب الفلسطيني ووضع القضية المركزية أمام امتحان جديد فرز المشاعر إلى مستويات مختلفة بين سكان مخيمات يريدون العودة، وبين عائدين يبحثون عن دولة عادلة في وطنهم، وبين تجمعات سكانية في فلسطين تطمح باستعادة أرضها وحماية هويتها من التذويب وممتلكاتها من المصادرة.

هذا الجديد على القضية الفلسطينية يثير المخاوف فعلاً. إذ للمرة الأولى ينتقل الخلاف من تنافس ايديولوجي يميز الفصائل سياسياً عن بعضها إلى تصادم مصالح يطاول جوهر القضية. فالخلافات السابقة كانت تتركز على ترتيب جدول الأعمال في برنامج حركة التحرر الوطني إلا أنها كانت في النهاية تنحل سلمياً نظراً إلى كون كل الفصائل تعاني من المأساة نفسها. الآن تبدو الأمور مختلفة عن السابق وتحديداً بعد التوقيع على «اتفاقات أوسلو» والعودة الجزئية والمشروطة إلى بعض المناطق الفلسطينية.

تلك العودة الجزئية والمشروطة أسست مجموعة اختلافات سياسية مصلحية بين الشرائح والفصائل الفلسطينية. فهناك سكان مخيمات يعيشون في دول الجوار يرفضون المساومة ويطالبون بالعودة الكلية والشاملة. وهناك فصائل تعتبر أن العودة اكتملت ولا مجال للمزيد منها بسبب الظروف العربية والمتغيرات الدولية. وهناك فصائل تعتبر أن المهمة لم تكتمل وحرب التحرير لم تنته وبالتالي فإن الكفاح يجب أن يتواصل مهما حاولت الدول المساندة للاحتلال والاستيطان التذرع بأسباب تعطل بها طموحات الشعب الفلسطيني.

إلى اختلاف المهمات تشكلت أيضاً مجموعة وقائع ميدانية أخذت تفرض شروطها السياسية على المصالح ومواقع الفصائل ودورها في إدارة السلطة أو الصراع مع الاحتلال والاستيطان. فهذا الجديد هو مصدر القلق من تكرار حصول تلك التشنجات التي تعبّر عن نفسها بمواجهات كلامية وصدامات مدنية ومسلحة بين «حماس» و«فتح» في الضفة والقطاع.

الاختلافات في السابق كانت تدور على وجهات نظر تختلف منهجياً في قراءة أسباب الصراع وأسلوب إدارته، لذلك اقتصرت المواجهات على نظريات عامة ومنهجيات، أما الآن وفي الحالات التي تشهدها الأرض المحتلة فإنها تدور على واقع تتحكم في إدارته مجموعة مصالح. فالسلطة الآن فلسطينية، والمشكلة ليست بين احتلال واستيطان من جهة وشعب محروم من أرضه ودولته وإنما بين فصيل وفصيل يختلفان على إدارة سلطة جزئية ومشروطة بإرادة الاحتلال.

طبيعة الاختلاف تبدلت نظراً إلى تغير عناصر الانقسام. وهذا الأمر يعني الكثير منها احتمال تدهور العلاقات الداخلية والانزلاق من خصوصية «الاستثناء» الفلسطيني إلى حال من التصادم الأهلي بين مجموعات تتحكم بها طموحات تتصل بالسلطة والمصالح وتبتعد قليلاً عن مبادئ العودة وبناء دولة عادلة.

التصعيد السياسي الذي حصل بين «حماس» و«فتح» لابد من احتواء عناصره مهما كان الثمن، لأن التورط في مصادمات يشير إلى أن القضية باتت مهددة من الداخل، وهذا يعني أن «إسرائيل» كسبت جولة في معاركها الطويلة مع الشعب الفلسطيني.

الاستثناء يجب المحافظة عليه كقاعدة وطنية عامة مهما كانت نتائج الانتخابات وبغض النظر عن طبيعة السلطة واختلاف وجهات النظر التي تترافق حالياً مع ضغوط دولية القصد منها النيل من التماسك الأهلي وتعريض المناعة الفلسطينية إلى التفكك

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1327 - الإثنين 24 أبريل 2006م الموافق 25 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً