العدد 1327 - الإثنين 24 أبريل 2006م الموافق 25 ربيع الاول 1427هـ

ناقوس «العمالة السائبة» ينبئ بمخاطر اقتصادية واجتماعية

أكثر من 14 ألف بلاغ هروب في كشوف وزارة العمل

ليست المشكلة في عدد العمالة السائبة في البلاد، وهو العدد الذي ذكره ملفنا هذا (45 ألفاً) وفق آخر إحصاءات سوق العمل ووفق رصد أجري بالتعاون مع شركة ماكينزي فضلاً عن وجود 14 الفاً و302 بلاغ هروب مسجل في كشوفات وزارة العمل، والرقم في ازدياد يوماً بعد يوم وهو ينبئ بمخاطر اقتصادية واجتماعية فضلاً عن أخلاقية على رغم وجود تحركات للحد من هذه الظاهرة، لكن، هل من السهل الحديث عن انعكاسات هذه الظاهرة من مختلف الأصعدة، اقتصادية، اجتماعية وحقوقية؟

ولعل الإجابة، وبلغة الأرقام، يقدمها لنا الخبير الاقتصادي حسين المهدي وفيها يشرح واقع العمالة السائبة في المملكة إذ يذكر أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن إجمالي القوى العاملة في المملكة يصل إلى 23 ألف عامل مع نهاية الفصل الثالث من العام الماضي، ويشمل ذلك الرقم العمالة الوطنية والوافدة على حد السواء، وعند تفصيلها يتضح أن 88 في المئة منها يعمل في القطاع الخاص في حين تمثل النسبة الباقية العاملين بالقطاع الحكومي في حين تشير المؤشرات إلى أن نسبة القوى العاملة غير البحرينية في المملكة كانت 68 في المئة العام 2001م لتصل في الفصل الثالث من العام الماضي إلى 76 في المئة الأمر الذي يعطي صورة جلية بكون الأيدي العاملة غير البحرينية نمت وتمرست بشكل كبير على حساب الأيدي العاملة الوطنية لاسيما بعد أن وصل إجمالي العمالة الوافدة إلى 218 ألفاً في حين كان عدد العمالة السائبة 80 ألفاً.

استنزاف الثروة الوطنية

المؤشرات الاقتصادية تشير إلى خطر محدق وفق وصف المهدي، مرجعا السبب إلى أن أجمالي ما تخرجه العمالة الوافدة المرخص لها والعمالة السائبة في السنوات الأخيرة قد تجاوز المليار دولار أميركي! ما يدل على استنزاف للعملة الصعبة وللثروة الوطنية مستشهدا بملاحظات «ماكينزي» والدراسات المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي وسوق العمل والتي تقارن المملكة بأقوى الدول اقتصادا في العالم إذ تشير إلى أن نسبة التحويلات المالية في المملكة تصل إلى 17 في المئة في حين تصل في إحدى أقوى الدول اقتصادا في العالم الولايات المتحدة الأميريكية إلى 2 في المئة وفي المملكة العربية السعودية لا تتجاوز 8 في المئة على رغم عظم اقتصادها الأمر الذي يدل على تداعيات اقتصادية من شأنها أن تؤثر على ميزان المدفوعات والذي ينعكس أثره سلبا على وضع الحساب الجاري أي كلما كان صافي الحساب الجاري إيجابياً أنعكس ذلك إيجابا على الاقتصاد الوطني والعكس.

وللخروج من هذه الأزمة الاقتصادية يقترح المهدي احد الحلول والتي تتمثل في استقطاع نسبة من تلك التحويلات لا تتجاوز 5 في المئة وتوظيفها في تدريب الكوادر البحرينية الوطنية من خلال آلية معينة يحل بها العامل البحريني مكان الوافد، ما ينعكس إيجابا على الاقتصادي المحلي واسترجاع جزء من تلك الأموال الأمر الذي يحرك اقتصاد السوق ويرفع معدلات النمو الاقتصادي في المملكة وبالتالي دعم القوة الاقتصادية الوطنية في السوق.

كيف تسمح الوزارة لبعض الأجانب

ومن وجهة نظر اقتصادية، أيضا يحلل الخبير الاقتصادي جاسم حسين الوضع الراهن مشيرا إلى أن هناك ما بين 30 إلى 50 ألف أجنبي في البلاد من ضمن خانة (الفري فيزا) تمكن أصحاب النفوذ من جلبهم والزج بهم في سوق العمل الأمر الذي تسبب ولايزال في ظاهرة تدني الأجور، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تسمح وزارة العمل لبعض الأجانب أن يكونوا أحرارا في العمل للقيام بأي عمل (من بيع الياسمين على سواق السيارات أمام الإشارات الضوئية إلى غسل السيارات أمام الفنادق) بشكل حر من دون رقيب وعلى مرأى من المفتشين؟ وفي الحقيقة أن الأمل معقود على مشروع إصلاح سوق العمل لوضع حد لهذه الظاهرة غير الحضارية في المملكة في ظل المشروع الاقتصادي الذي يرعاه ولي عهد البلاد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة و يهدف المشروع فيما يهدف إلى تصحيح أوضاع كل الأجانب الموجودين في البلاد الذين يكلفون المملكة 40 ديناراً شهرياً لكل فرد فضلا عن استغلالهم للخدمات من دون ضرائب وعملهم من دون رقيب الأمر الذي يعتبر استهتاراً بأبسط قواعد العمل.

ويأخذنا حسين إلى بعد آخر يتمثل في أن مسألة (الفري فيزا) تعكس الوجه القبيح لبعض البحرينيين (المتنفذين طبعاً) واستعدادهم لاستغلال بعض الأجانب عن طريق الزج بهم في سوق العمل فقط لغرض الحصول على بعض المال لعلهم يشفون بذلك غليلهم حتى وان كان ذلك على حساب المجتمع بأسرهو، ففي حقيقة الأمر لا يمكن توجيه اللوم للأجنبي في هذه الحال نظرا لحاجته للمال بل قد يكون في أمس الحاجة لبعض النقود، فهو غير مرتبط بعقد محدد أثناء وجوده في البحرين و ليس لديه مصدر رزق محدد بل المطلوب من الأجنبي الموجود في البلاد أن يدفع لصاحب التأشيرة مبلغاً شهرياً أو فصلياً متفق عليه مسبقا، بمعنى آخر فإن الآية مقلوبة في مسألة (الفري فيزا) إذ أن الأجنبي عليه أن يكون مصدر رزق للبحريني المتنفذ.

«المتنفذون» المحك الأساسي!

وعلى الصعيد ذاته - المتنفذون - هم المحك الأساسي من وجهة نظر عضو جمعية الاجتماعيين البحرينية هدى المحمود والتي ترى ضرورة تجاوز وإلغاء مسألة عدم التعرض للمتنفذين الذين يستغلون ثغرات القانون فالقانون يطال الجميع من دون استثناء لا سيما وأن كان ضررهم يتجاوز الحدود الشخصية ليصل إلى التسبب في ظاهرة مجتمعية، ومشكلة تؤدي إلى تخريب سوق العمل والإخلال بالاقتصاد الوطني فضلا عن ضرب كل جهود الإصلاح في المملكة كما يحدث في أزمة العمالة السائبة.

تقع مسئولية درء خطر العمالة السائبة على وزارات العمل، التجارة والداخلية فضلا عن أرباب الأعمال و«تجار الإقامات» من وجهة نظر المحمود... فبلد كالمملكة بمساحة محدودة لا يصعب فيها تجاوز هذه المشكلة التي بلغت لحد أنها وصفت في كثير من المقالات الصحافية المحلية والعالمية «بتجارة الرقيق»، لذلك رأت ضرورة أن يكون هناك تصد حقيقي لا بهرجة إعلامية وكلام عائم... فالعمالة السائبة ليست بالفئة الهلامية وإنما واضحة لذلك من الواجب على المعنيين في المملكة من برلمانيين ومؤسسات مجتمع مدني أن يتكاتفوا للحيلولة دون تفاقم مشكلات العمالة السائبة التي بانت واضحة من خلال ازدياد الجريمة وبيع الخمور والدعارة والتسول فضلا عن الاعتداءات الجنسية وتداخل الثقافات والتأثير على أصالة العادات والتقاليد.

من أمن العقاب أساء الأدب!

ولا تقف الآثار الاجتماعية للعمالة السائبة عند ذلك الحد وفق ما رأته المحاضرة بقسم العلوم النفسية والاجتماعية لكلية العلوم الصحية عائشة الشيخ فإلى جانب تفشي الجريمة والعادات والممارسات المخلة بالآداب كتصوير الأفلام الإباحية والمتاجرة بالخمور تبرز نقطة أكثر أهمية وهي غياب الأمان في المملكة وتشويه صورة الوافد الأجنبي بشكل عام، وأرجعت السبب في ذلك إلى غياب الرقيب فمن أمن العقاب أساء الأدب وإلى التسيب في القوانين.

«الاحتكاك البشري العالمي والبعد عن الانغلاق والتقوقع»... هو ما نادى به عضو جمعية الاجتماعيين البحرينية عبدالله الحداد ولكن بأسلوب لا يؤدي إلى التأثير على الهوية العربية والثقافة الإسلامية كما هو حاصل وللأسف في المملكة نتيجة ازدياد العمالة الوافدة التي أدى وجودها إلى تسريب رؤى مغلوطة بتفكير المواطن البحريني وتهجين لثقافاته وقناعاته لاسيما في أوساط الشباب والمراهقين، وهنا تبرز الحاجة إلى وجود إرادة سياسية حقيقية للتخلص من هذه المشكلات في ظل مشروع الإصلاح الاقتصادي والذي من الواضح أنه لم يأخذ كل ما طرح من ملاحظات نقدية من جهة ويبدو أن هناك قوى رأت أنها من الفئة المتضررة من هذا المشروع فعمدت إلى إعاقته.

لذلك تبرز الحاجة إلى أن تكون هناك حلقات وصل بين جميع الوزارات في المملكة للتأكد من حقيقة وجود أي مؤسسة على أرض الواقع قبل استقدام الوافد الأجنبي والتصدي للقوى المتنفذه في السوق، والعصابات التي لا تطالها يد القانون والإجراءات واكبر دليل على ذلك ازدياد الأسعار لدى تجار الإقامات فبعد أن كانت 500 دينار قبل 10 سنوات باتت بعد تشديد الإجراءات تصل الى 1000 دينار الأمر الذي يدل على أن هناك تحركات جادة للتصدي لهذه الممارسات من خلال وزارة العمل، وقبة البرلمان إلا أنها مازالت ناقصة فلا يجب ترك المجال واسعا لهذه العمالة وتجار الإقامة لضرب الاقتصاد الوطني ويجب تشغيل مفتشي عمل بصلاحيات حقيقية وقلب الموازين من خلال إدماج البحريني في الاعمال الشاقة وتغيير فكرة رجال الأعمال في كون العامل البحريني غير قادر على العمل بعكس الأجنبي، ولن يكون ذلك إلا من خلال إخراج العامل الأجنبي من ساحة المنافسة لكونه قد يقبل بأدنى الأجور ما يخلق منافسة غير عادلة ترمي بثقلها على العامل البحريني والسوق المحلية ويؤدي إلى التأثير سلبا على الحياة الاجتماعية للمواطن، فضلا عن مقاسمة العامل الأجنبي له في الخدمات كالصحة والتعليم والماء والكهرباء وفي موارد تعد في واقع الأمر شحيحة.

ما ذا يقول الحقوقيون؟

في هذه المساحة يطرح المحامي موسى البلوشي بعض الحلول للخروج من هذه الأزمة والتي من أهمها عدم الاكتفاء بفرض الغرامات والعقوبات على الوافد الأجنبي فقط وإنما العقاب يجب أن يشمل «الكفيل» أيضا، فهو يقول: «معظم تلك العمالة ما هي إلا ضحية الظروف الصعبة في أوطانها وسوء الاستغلال في غربتها الأمر الذي يتسبب بتأثيرات واضحة على سوق العمل وفق ما جاءت به نتائج دراسة إصلاح السوق، ناهيك عن تأثيرها المباشر في رفع نسبة البطالة بين قوى العمالة الوطنية».

ويرى البلوشي أن العمالة السائبة ما هي إلا تلك العمالة المخالفة لأحكام المادة الثالثة من قانون العمل في القطاع الأهلي التي تتعلق باستخدام العامل من دون الحصول على تصريح من وزارة العمل والتي تطبق عليها المادة 185 من قانون العمل المعدلة بمرسوم القانون رقم 8 لسنه 2002 والتي تصل عقوبة المخالفة فيها من 500 إلى 1000 دينار أو السجن لمدة 6 أشهر.

وفيما يخص السعي للحد من هذه الظاهرة فقد ذكر البلوشي أنه في أغسطس / آب من العام 2003 تم إصدار قرار يلزم صاحب العمل بدفع مبلغ تأمين وقدره 250 ديناراً نظير تسجيله للعامل على أن يسترجع هذا المبلغ في حال التأكد من سفر العامل الهارب هذا وتم تغيير مبلغ التأمين إلى 100 دينار في وقت لاحق من العام 2004 وفرضت غرامات على من يتاجر في الإقامات عند ضبطه

العدد 1327 - الإثنين 24 أبريل 2006م الموافق 25 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً