هنا يقف آسيوي حمل «الشامليدر» ينتظر مجيء الزبائن ليحصل على رزق يومه من تغسيل السيارات... هناك مزارع يجلس على «فرشة» في السوق يبيع ويشتري، وحين تسأل عن بطاقته وعمله تكتشف أنك تتحدث مع خادم!
من أين جاءت هذه الأعداد الكبيرة من العمالة السائبة التي لا تعرف التوقف؟ أين الحكومة من كل ما يجري وأين الجهات المعنية بورود وخروج العمالة؟ هل صحيح أن متنفذين و«هوامير» كبار يقفون وراء اللعبة ويحصلون على مبالغ خيالية من استقدام «الفري فيزا»؟
«الوسط» دخلت إلى عالم الفري فيزا، حاورتهم ونقلت طريقة حياتهم ومعاناتهم مع المتنفذين... حاورت البحرينيين المتضررين من العمالة السائبة ونقلت معاناتهم...
عمالة لم تبق على اليابسة شيئاً!
يتحدث المواطن ميرزا أحمد العجيمي عن مزاحمة العمالة الوافدة، إذ يشير إلى أن «الفري فيزا» أكلوا كل شيء ولم يبقوا على اليابسة أي عمل لغيرهم، فتراهم يعملون في تغسيل السيارات، ويقدمون إلى الزبائن أسعاراً مغرية جداً لا يقاومها أي إنسان، فإذا كان البحريني يغسل السيارة بدينار يغسلها بخمسمئة فلس، وبالتالي يلجأ الزبون إلى العامل الآسيوي ونعني به الفري فيزا بدل البحريني.
ويقول: «نحن نعمل في الزراعة، ونرى أن العمالة السائبة دخلت حتى في هذا المجال، ولك أن ترى العمالة وقد غزت معظم فرشات بيع الفواكه والخضراوات. وإذا استتب الأمر للأجنبي الدخيل يقوم بجلب أخيه وبن عمه وخاله وتكون له شبكة كبيرة من العمالة».
ويواصل «لدينا في القرية مثلا آسيوي كان يعمل في غسيل السيارات، وعندما زاد الطلب عليه قام بجلب أخيه، ومن ثم بن عمه وعمه وخاله وصار عدد الآسيويين بالعشرات، حتى أن أحد أصدقائنا قرر الانتقال إلى قرية أخرى وأخبره الآسيوي أن بإمكانه أن يبعث له آسيوياً ليقوم بغسل سيارته على رغم بعد القرية الثانية عن الأولى!...».
ويعرج العجيمي على تأثير العمالة الوافدة على الأسعار، موضحا أنه منذ التسعينات بدأت الأسعار في النزول، ولذلك غادر كثير من البحرينيين السوق، فالآسيوي يمكن له أن يبيع البضاعة بأي سعر لأنه لا يعيل أي فرد آخر.
متنفذون يقفون وراء الـ «فري فيزا»
يؤكد عضو المجلس البلدي لبلدية المنامة صادق رحمة أن كثيراً من العمالة الوافدة ترجع إلى أحد المتنفذين الكبار، ولذلك فإن «الجهات الحكومية تقف أحيانا كثيرة عاجزة عن عمل أي إجراء ضد هؤلاء». وينوه إلى أن «كثيراً من المشكلات التي تعاني منها القرى والمدن يتسبب بها الوافدون (الفري فيزا) ، فقد ضبطنا نحن شخصيا الكثير من الفري فيزا في قضايا الدعارة والسرقة وبيع الخمور، ولعل هذه الممارسات تؤثر وبشكل جدي وواضح على أمن واستقرار المجتمع، لا سيما أننا نتحدث عن أعداد كبيرة جداً».
ويقول: «تستغرب حين لا تحصل على معلومات دقيقة وواضحة من الجهات ذات العلاقة، فكيف يمكن لأي أجنبي أن يخرج من البلد لتورطه في قضية جنائية أو أخلاقية ويعود بعد فترة وجيزة باسم آخر وهذا حدث».
ويوضح رحمة أنه ضبط بعض العمال الأجانب يردمون خليج توبلي في الفترة السابقة، وحين سأل عن بطاقته تبين له أن العامل الذي يقود السيارة قيم مسجد! ويشير إلى أن هذه الحال هي مثال بسيط على الكثير من الحالات...
ضغوط كبيرة تواجه الـ «فري فيزا»
على رغم كل المساوئ التي لا تعد ولا تحصى، فإن للعمالة الوافدة هموماً أيضا، فهم بشر مثلنا، ولا ننسى أن المتنفذين و«الهوامير» الكبار في البلد يشربون دم الفري فيزا كل يوم، فكيف يمكن للعامل أن يشتغل ساعات تفوق الطاقة البشرية ولا يتقاضى في مقابل ذلك إلا أجراً زهيداً، وعلى رغم ذلك يقطع منه «الأرباب» ما يقدر بنصف دخله اليومي أو ربما يتضاعف المبلغ في أحيان كثيرة...
يبين أحد العمال في إحدى الأسواق أنهم يلجئون إلى النوم جماعات في غرفة واحدة، وفي بعض الأوقات لا يستطيع العامل أن ينقلب جنبا عن جنب «شلون يأجر شقة وأنا ما يحصل فلوس كفاية»... والأدهى من ذلك أن أجرهم لا يكفيهم لتحمل كلف الحياة الغالية في البحرين بحسب وجهات نظرهم، ولذلك يضطر من لا يتمكن من تحمل التبعات والإيفاء بديونه إلى «الأرباب» إلى الانتحار! وحين سألناه عن بطاقته وعمله المكتوب فيها أخرج بطاقته وهو يتلفت ووعدناه بعدم التصوير وإذا به خادم!
توقفنا في إحدى القرى نبحث عن العمال الذين امتهنوا تغسيل السيارات، وحين قابلنا أحدهم تحدث عن المكسب وعن طريقة العمل «إحنا في سكن بعيد في منامة، واجد نفر، لكن واجد زين لأن ما في فلوس واجد»... سنضطر إلى الترجمة في نقل بقية الحديث «نستيقظ في الصباح الباكر، عند الساعة الرابعة صباحا أو أقل من ذلك لأن السيارات التي نقوم بغسلها كثيرة، ولا نتوقف إلا عند غروب الشمس، وحينها يرجع بعضنا إلى المنزل والبعض الآخر يواصل غسل السيارات التي تتبقى عليه... نتعامل مع الزبائن بالدفع الشهري، ستة أو خمسة دنانير في الشهر وهذا يوفر لنا مبلغا كبيراً».
يفرك فروته ويعود «نعمل في كل أيام الأسبوع، إلا في يوم الجمعة لأننا نذهب إلى الصلاة»... سألناه إن كان يصلي في بقية الأيام فأجاب «لا بس يوم جمعة أحسن». ويلقي كثيرون اللوم على الدولة لتركها المتنفذين يلهون ويلعبون وتركها العمالة السائبة تأكل الأخضر واليابس... ولكن هناك من يرى أن الـ «فري فيزا» لم تفسد جميع الأعمال على البحرينيين، فكم بحريني يغسل السيارات اليوم، وكم بحريني يحرث الأرض ويزرعها؟ وتبقى قضية «الفري فيزا» معلقة لا إلى السماء ولا إلى الأرض، ولربما لن تعرف نهاية قريبة..
العدد 1327 - الإثنين 24 أبريل 2006م الموافق 25 ربيع الاول 1427هـ