انعطافة مهمة تلك التي ميزت أول الأسبوع الجاري عراقيا، اتفاق على المناصب الرئيسية والبدء بمشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لا من جديد خارج التوقعات، ساسة العراق الجديد يتعنتون ليتنازلوا، يرفعون سقف مطالبهم ليكتفوا بالحد الذي يعرف كل منهم أنه له لا لغيره، هكذا عودونا منذ مفاوضات تشكيل مجلس الحكم بعيد الغزو الأميركي، المهم أصبح لدينا اليوم رئيس جمهورية ورئيس برلمان ورئيس وزراء مكلف باتفاق جميع الكتل على تشكيل حكومة وكلهم دائمون هذه المرة، أي للسنوات الأربع المقبلة.
والأهم انعكاسات تلك التي أسميناها «انعطافة» على الواقع العراقي، هل سيتحسن الوضع في عراق المفخخات وفرق الموت والاغتيال المنظم للكفاءات وانعدام الخدمات الأساسية وشيوع الهمّ المذهبي الذي زحزح للمرة الأولى الهمّ الوطني ليشغل مكانه ويصبح سمة المشهد العراقي؟
هل سنشهد بداية لانفراج منتظر أصبح، وللمفارقة التاريخية، يتمناه الجميع؛ أعداء العراق قبل أصدقائه، محتلوه ومعارضو احتلاله، المدمنون التدخل في شئونه الداخلية والمتفاخرون بحارس البوابة الشرقية، الكل اليوم يريد أن يخرج من هذا العبث الدموي، فلا المحتل أمن على أرواح جنوده أو محقق لمشروعه الكوني ولا الساسة الجدد متمتعون بالسلطة والسلطان وقد حجروا على أنفسهم بين كونكريت المنطقة الخضراء.
المتفائلون يتحدثون عن نجاح لعملية سياسية بدأت تؤتي أكلها رئاسات دائمة وبرلمان ممثل للجميع للمرة الأولى ربما منذ عقود، ونجاح يحمل من الطموحات والآمال الكثير في السيطرة على نزيف الدم وتوفير الخدمات، ها هو إذاً ضوء ساطع في بداية نفق اخذ بالانتهاء.
المتشائمون جاء ردهم سريعاً ( 7 ) جنود أميركان قتلوا عشية ما أسميناه «الانعطافة» وهجوم بالهاون على مقر وزارة الدفاع في رسالة تحمل من الحنق على المؤسسة العسكرية ووزيرها السني ما لا يخفى على أحد، وبمعنى آخر أن هنالك من يقول إن خيار المشاركة في العملية السياسية لم يكن صائباً أيها السنة بدليل أنكم لم تخرجوا بالحد الأدنى من طموحاتكم.
الميليشيات المتناحرة من الجانبين «جيش المهدي وفيلق بدر» من جهة و«الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين ومن خلفهما بهذا الشكل أو ذالك تنظيم القاعدة» من الجهة المقابلة تراقب وأصابعها على الزناد ما سيجري وقد تخندقت هذه المرة في رصافة بغداد وكرخها.
الوعد الأميركي بإطلاق أكثر من 14 ألف معتقل لدى الأميركان رشوة علنية للسنة مقابل تمشية العملية السياسية مازال مجرد تصريحات للحزب الإسلامي دون غيره لم يؤكدها أحد أميركياً، مسببات كل ما جرى ويجري في العراق لاتزال موجودة، المحاصصة الطائفية هي ذاتها استخدمت في صفقة المناصب الرئيسة ووو...
وبين المتفائلين والمتشائمين تدور آراء الشارع في الدوامة ذاتها، شيعي مرحب وسني رافض وكردي مستفيد.
هذه هي بالضبط حقيقة المشهد العراقي، ولعل السؤال الكبير الذي يفرض نفسه بسخونة وعذابات ما يجري على الارض العراقية هو: هل سيكون هذا الأسبوع فعلاً انعطافة للعراق، أم انه لا يعدو سوى بداية جديدة للمزيد من الانهيارات في ذلك الجسد القوي الذي بتنا ننسى صورته التي اعتدنا أن نتخيله عليها؟...
لنكن متفائلين بواقعية شرطها ألا نتناسى ما يدور حولنا، ولنتفق أنها «انعطافة» ولننتظر..
العدد 1326 - الأحد 23 أبريل 2006م الموافق 24 ربيع الاول 1427هـ