العدد 1326 - الأحد 23 أبريل 2006م الموافق 24 ربيع الاول 1427هـ

دول الخليج والملف النووي الإيراني

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ليس حصيفاً ذلك الرأي القائل إن الملف النووي الإيراني سيكون أقل هدوءاً وسكينة فيما لو كان السيدمحمد خاتمي هو سيد القصر الجمهوري بشارع فلسطين في طهران، وان سقف المطالب الإيرانية في المفاوضات ستكون أقل فيما لو كان الشيخ حسن روحاني (ممثل الولي الفقيه في المجلس الأعلى للأمن القومي حالياً) هو من يقود المفاوضات مع الترويكا الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

طبعاً ليس السبب أن هذا الرأي فقط متأسس على مسبقات ذهنية تجاه تيار اليمين المحافظ في إيران وعلى الرئيس محمود أحمدي نجاد، بل لأن الأمور في طهران تجري بسياقات غير التي يعتقد بها البعض، فإيران وخلال مفاوضاتها مع الترويكا الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية التي انطلق ماراثونها «بالتراضي النسبي» منذ اتفاق سعد آباد في أكتوبر / تشرين الثاني 2003 وحتى أغسطس / آب 2005 بدأت وانتهت بحزمة من المزاليج التي وضعها الطرفان أمام التوصل إلى أية نتيجة (تسووية). ثم إن النهاية التي رأيناها لم تكن حصيلة حدث طارئ أو إخفاق دبلوماسي وإنما جاءت وفق المسار المحدد لها، فالأوروبيون قدموا مقترحاتهم التي وعدوا بها في الخامس من شهر أغسطس الماضي، أي بعد ثلاثة أيام على تنصيب محمود أحمدي نجاد رئيساً. وإذا ما أخذنا الرد الرسمي الإيراني على تلك المقترحات سواء من رئاسة الجمهورية أو من مجمع تشخيص مصلحة النظام اللذين يعتبران الزوايا الحادة في النظام السياسي الإيراني أو حتى من مراكز القوى الأخرى غير الرسمية، بالإضافة إلى مسئولي الحكومة المنتهية ولايتها، سنجده متحداً في لفظه متعدداً في مركزه، وبالتالي فإن وجود محمود أحمدي نجاد أو وجود محمد خاتمي لن يغير من الأمر شيئاً. وعليه فإن الأقدار هي التي ساوت بين توقيت وصول نجاد إلى الحكم وتسليم مقترحات الترويكا الأوروبية لإيران، وأن مفاعيل وتمظهرات الحدث هي تحصيل حاصل لحقيقة مفاوضات من نوع خاص استمرت وفق محددات سياسة حافة الهاوية، وما الفترة التي سبقت تقديم المقترحات إلا «مساحة هدنة» التزمت خلالها إيران بوقف جميع الأنشطة النووية.

إيران والمحور الإقليمي

خلال القمة السادسة والعشرين لمجلس التعاون الخليجي التي اختتمت أعمالها في ديسمبر / كانون الأول الماضي، بدا القلق الخليجي من المسألة النووية الإيرانية واضحاً، بل وصل إلى حد الدخول في مماحكة إعلامية (بسببها) بين وزير الخارجية الإماراتي والأمين العام للجامعة العربية لما قيل حينها عن انتقاده القلق الخليجي من المفاعل النووي الإيراني في بوشهر من دون الإشارة إلى المفاعل النووي الإسرائيلـي. تصريح وزير الخارجية الإماراتي كان مباشراً جداً عندما قال «إن دول مجلس التعاون قريبة من المفاعل النووي الإيراني في بوشهر، وليس لدينا حماية ووقاية في حال حدوث تسرب من هذا المفاعل». وتكون مفاعيل تلك الهواجس أكثر جدية إذا ما أضيفت إليها التصريحات اللامسئولة التي أدلى بها مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي قبل شهرين، عندما قال «إن الدبلوماسية لا تعني الكلام فحسب، وإنما تحتاج إلى وسائل ضغط وإلى استخدام القوة في حال الضرورة القصوى». كذلك ما أكد عليه الرئيس جورج بوش عن عدم استبعاد أي خيار لمنع الإيرانيين من امتلاك سلاح نووي، والتصريح المماثل لكونداليزا رايس قبل أيام، بما يعني إمكان اللجوء إلى الخيار العسكري.

في الجانب الآخر وفي ردة فعل عنيفة أبدت إيران ممانعة مستميتة بشأن الحفاظ على برنامجها النووي، بل وهددت بوقف تطبيق البرتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي (الذي قبلته بعد اتفاق سعد آباد) إذا أحيل ملفها إلى مجلس الأمن، بل إن ممثلها لدى الوكالة الدولية للطاقة اعتبر ذلك «رسالة واضحة ومباشرة جداً وعلى حكام الوكالة الدولية للطاقة وأعضائها أن يفهموها». ثم التصريحات النارية للرئيس نجاد وقادة الحرس الثوري التي جاءت مصاحبة لعمليات التعبئة العامة في القوات المسلحة الإيرانية، على رغم أن زيارة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلامي الشيخ هاشمي رفسنجاني لسورية والكويت، وتصريحه بأن الخليج «لن يدعم أي عمل عسكري أميركي ضد إيران»، وتأكيده على سلمية المفاعل النووي الإيراني، قد خففت من التوتر في المنطقة.

إن المعادلة التي ستفرض نفسها عندما تتعرض إيران لهجوم هو أن تقوم الأخيرة باستهداف الأساطيل البحرية الأميركية العائمة والقواعد العسكرية - تسع قواعد جوية وقاعدتين بحريتين وقواعد برية وقاعدتين جويتين في الكويت وقاعدة جويـة في السيلية - والعراق، وقد لا تكون التهديدات الأميركية المتكررة رادعاً لإيران لأن توقف برنامجها النووي بقدر دفعها أكثر نحو التفكير بجدية في اقتناء سلاح غير تقليدي، وهي كلها محاذير تفرض على الجميع توخي الحذر في أي تحرك لأن الملفات صارت أكثر تداخلاً.

تصريحات عدد من المسئولين الخليجيين حديثاً وخصوصاً من السعودية يعطي مؤشراً على أن دول مجلس التعاون ترمي التحرك سريعاً للمساعدة في إيجاد حل سياسي ودبلوماسي لهذه الأزمة المستعرة في أحشائها، وإبقائها في أروقة الدبلوماسية للمحافظة على السلم في المنطقة، إن دول الخليج تدرك جيداً أن الولايات المتحدة لا تملك سوى خياري القبول بإيران كما هي أو الدخول في حرب عسكرية مباشرة معها، بينما الإيرانيون لديهم من الأوراق الكثير لتطويع مستقبل الحوادث لصالحهم فهم يملكون الورقة العراقية الرابحة اليوم، ويملكون ورقة انقسام العالم الغربي تجاه ملفهم النووي، ويملكون موقفي روسيا والصين والتحكم بأسعار النفط، لذلك فإن موقف دول الخليج المتخوف لم يترجم لحد الآن على أنه موقف مساند للحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران، بل إن تصريحات ولي العهد السعودي سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز في 19 إبريل/ نيسان الجاري في لقائه بمسئولي الصحف المحلية بالرياض عندما قال «ليس من المصلحة أن نوضع في موقف ضد امتلاك إيران أسلحة نووية بينما «إسرائيل» تمتلك تلك الأسلحة» تعكس مدى التعقل الخليجي تجاه الأزمة النووية الإيرانية، وخصوصاً أن دول الخليج وبعد احتلال العراق باتت تدفع ضريبة خسائر تفوق العشرة مليارات دولار بشكل سنوي، كما أن التقديرات كانت تشير إلى أن حركة الاستثمار الخليجية قد تتأثر بنحو 220 مليار دولار، من بينها 100 مليار في قطاع الطاقة السعودي فقط. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن إيران ستستخدم 3200 كم من حدودها البحرية عند تعرضها لأي هجوم أميركي أو إسرائيلي فإن ذلك يعني كارثة اقتصادية بالمطلق ستصيب دول الخليج التي تعتمد على الواردات بنسبة 80 مليار دولار سنوياً، نصفه أو أقل تستقبله الموانئ الإماراتية لـيعاد تصديره للسوق المجاورة، وبالتالي فإن دور دول الخليج في تسوية مثل هذا الملف سيكون ذا أثر كبير لتجنيب المنطقة ويلات نزاع عسكري جديد على الرغم من أن حظوظه مازالت ضعيفة.

في المقابل فإن مسئوليات إيران تجاه المنطقة تتطلب تسوية الكثير من القضايا العالقة، أو تلك التي تنظرها الدول الخليجية بريبة، فحل قضية الجزر الإماراتية بات أمراً ملحاً، أيضاً ملاحظة ما تبديه الدول الخليجية من مخاوف من أوضاع العراق التي تلعب إيران فيه دوراً محورياً يفوق الدور الذي يلعبه 140 ألف جندي أميركي هناك، وما يتطلبه ذلك من مراعاة الأوضاع الصعبة التي يعيشها العرب السنة في الوسط. إيران مطالبة أيضاً بإعطاء ضمانات تبدد مخاوف الخليج فيما يتعلق بمصير مضيق هرمز في حال نشوب حرب بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.

دعوة أخيرة تخص المثقفين في المنطقة، المطلوب منهم التوقف عن الدفع بالأمور إلى الأسوء أو الوقوف موقف المحرض، لأن في ذلك مسئولية جسيمة توازي مسئولية العمل الدبلوماسي، لأن الدفوع نحو التجريم يضيق دائرة التقاطع بين الدول المتشاطئة، ويضيع الجهود الرامية إلى تمكين الحوار بدل الاحتراب

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1326 - الأحد 23 أبريل 2006م الموافق 24 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً