العدد 1326 - الأحد 23 أبريل 2006م الموافق 24 ربيع الاول 1427هـ

دكان جديد؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العام 1986، وفي خلوة إجبارية طويلة فرضها قانون «أمن الدولة»، قرأت باستمتاع بالغ أول مقال لوزير التربية والتعليم البحريني آنذاك، علي محمد فخرو، في أحد أعداد مجلة «العربي» للعام 1982. قبلها كنا نعرف فخرو وزيرا نشيطا، كلما انتقل إلى وزارة حمل إليها مشرط التطوير، أما المقال فيعرفك على فخرو المفكر، الذي يقرع جرس الإنذار.

المقال يمتاز بذلك العمق الفكري، إذ يتكلم عن مدن الغرب الأميركية والبحث عن الذهب، والتحديات التي تواجه مجتمعاتنا الخليجية، من نضوب النفط وانحدار مستوى التعليم، وخصوصاً مع موجة البث التلفزيوني المقبل على مدار الساعة، ويتساءل: ماذا نحن فاعلون في التربية إذا بدأ بث القنوات المتخصصة بالرياضة والأطفال والأفلام؟ واليوم، كلما شاهدت طفلي جالسين أمام التلفاز يطالعان الرسوم المتحركة وقناة الجزيرة للأطفال، تذكرت ذلك المقال.

شخص من هذا الحجم والاحترام، وبهذه العقلية الكبيرة، لا نقبل أن نراه جالسا على طاولة واحدة مع أطراف صغيرة، تلتمس الشهرة والظهور على حساب العروبة والإسلام. ففخرو العروبي لا يحتاج إلى الانتساب إلى دكان من تلك الدكاكين التي تتاجر بالعروبة والإسلام. وفخرو المتشرب روح الحضارة الإسلامية لم يكن بحاجة إلى شهادة بـ «إسلاميته» من سوق البزازين القديم.

إن أحد أوجه مأساتنا أن يجد المثقف نفسه متورطا بإقحام اسمه في أحد الدكاكين الطائفية الصغيرة، أو تجد التيارات الوطنية والإسلامية نفسها، مضطرة بين فترة وأخرى للدفاع عن نفسها، ودفع سهام التهم الرخيصة، في وطنيتها وشرفها وانتمائها، من جهات مخدوش في عقلانيتها واتزانها أصلا، حتى اتهمتها بعض القيادات القومية بأنها «مجنونة».

فماذا يعني اتهام أكبر الجمعيات السياسية البحرينية بتأييد الاحتلال الأميركي للعراق؟ هل نسينا أن أول من تظاهر ضد الحرب على العراق قبل نشوبها بستة أشهر، هم أبناء هذا التيار؟ أم انها شعشبونة التي فقدت حبيبها فهي تهلوس ليلا ونهارا؟

ثم هل تأييد الحكومة العراقية الحالية، التي تشكلت من مختلف الأطياف العراقية، دليل على تأييد الاحتلال؟ وهل تنطبق هذه التهمة على حكومة البحرين التي أيدت وتؤيد الحل السلمي وخطوات تشكيل الحكومة العراقية وما سبقتها من انتخابات وإجراءات ديمقراطية؟ وهل هناك عربي شريف اليوم إلا ويتمنى أن يخرج العراق من مستنقع الفتنة والدم؟

في زمن الليبرالية المجنونة، ستجد أكثر أنواع التجارة ازدهارا في بلادنا، فتح الدكاكين الصغيرة، مرة باسم العروبة ومرة باسم الإسلام، ومرة ثالثة باسم الليبرالية، وآخر الصرعات افتتاح «البوتيك العروبي الاسلامي»، حصرياً على ثلاثة أو أربعة من رؤوس البصل! وعليك يا شعب البحرين المتهم دوما في عروبتك وإسلامك ووطنيتك وانتمائك، أن تقبل بهذه السراويل المخرقة التي لا تستر عورة المتحذلقين. ولأن الخرق اتسع على الخارق، انتبه أحدهم إلى أن الطبخة لم تنضج بعد في قدورها! وكان لابد من دعوة سماحته ليمنح التيار بركاته ودعواته ويفرغ عليه من فيوضاته!

كل هذه اللوحة المفبركة البالغة السماجة، ليس فيها نشاز إلا علي فخرو، المفكر الذي لا تليق بقامته سقوف الدكاكين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1326 - الأحد 23 أبريل 2006م الموافق 24 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً