وأنا أتجول في المواقع الالكترونية وفي المنتديات العامة، من بين ما لفت نظري وشعرت برغبة صادقة في قراءة المزيد عنه حتى اطلعت على تفاصيله «مشروع حفظ النعمة»، الذي يعد بحق من المشروعات الريادية التي تشتهر به مدينة دمشق منذ العام 2002، والذي بدأت انطلاقته الحقيقية في ذكرى المولد النبوي الشريف.
فكرة المشروع جاء بها أحد علماء الدين، ولقيت رواجا واهتماما واسعا وبالتالي حققت نجاحات ونتائج طيبة، وساهمت بشكل أو بآخر في توفير أرضية صلبة وقوية لتطويره بشكل تدريجي ملفت للنظر، وبالتالي توالد مشروعات أخرى فرعية مكملة للمشروع الأول ومنبثقة عنه، الذي هو عبارة عن مشروع حفظ الطعام، والذي وصل بعدها إلى مشروع حفظ الدواء، ومشروع حفظ الكساء، مرورا بمشروع حفظ ألبسة العرائس انتهاء بمشروع حفظ الأثاث.
فكرة المشروع باختصار شديد عبارة عن محاولة جادة في كيفية الاستفادة الممكنة من بقايا الأطعمة والأغذية، التي عادة ما تلقى في القمامات أو الفضلات للقطط والكلاب بعد الانتهاء من الولائم والعزائم، في بعض المناسبات والتي نحن محاسبون عليها، إلى جانب رميها بشكل مستمر في المطاعم الكبيرة التي تتخلص عادة بشكل دائم من بقايا الأطعمة خوفا من بيعها، وبالتالي تعرض الزبائن إلى حالات تسمم غذائي، في الوقت الذي يوجد هناك الكثير من الأسر والعوائل التي تكاد تموت جوعا كل يوم بسبب الحاجة والعوز. فجاء مشروع حفظ الطعام لسد هذه الثغرة من جهة، والعمل على تحقيق التكافل الاجتماعي وسد جوعة الناس من جهة أخرى.
انطلقت الفكرة الخام إلى واقع عملي مدروس، وإلى برنامج يتكون من مجموعة من الخطوات الاجرائية، من خلال العمل على توفير سيارات خاصة تجول في الشوارع والطرقات تحمل رقم هاتف جوال سريع الحفظ، وبالتالي المطاعم الكبيرة والبيوت التي تستقبل ضيوفا بمقدورها الاتصال بسائق السيارة الجامعة للأغذية، كما أن هناك مجالات واسعة للتنسيق والتعاون مع هؤلاء من أجل المرور لجمع ما تبقى من بقايا أطعمة، ومن ثم توزيعها على قوائم الأسر والعوائل الفقيرة التي هي بحاجة إلى دعم ومساعدة والمعدة مسبقا بحسب المناطق.
انطلق هذا المشروع في صورته الأولية ولحقته مجموعة من الخطوات التطويرية والتكميلية إلى أن وصلوا إلى مرحلة مشروع جمع الأثاث المستخدم الذي يرمى أحيانا على الأرصفة والطرقات، في وقت تعاني بعض الأسر من عدم توافر أبسط أنواع الأثاث.
تأملت جيدا في المشروع والمشروعات الأخرى التي لحقت به، وأحسست كم هو مشروع بسيط في محتواه عميق في جوهره، وتساءلت في نفسي: متى يتنامى لدينا الوعي ونصل إلى ما وصلت إليه مدينة دمشق التي ربما أعداد الأسر والعوائل الفقيرة التي تعاني من الفقر والجوع لا تقل عندنا عنهم، وبالتالي حاجتنا إلى مثل تلك المشروعات لا تقل كثيرا عنهم؟ ألسنا بحاجة ماسة إلى مثل تلك المشروعات ولاسيما أن لدينا الكثير من المؤسسات التطوعية والخيرية التي تعمل ليل نهار بجهود مخلصة في سبيل تلبية احتياجات مثل تلك الأسر، وتجاهد في سبيل وضع الخطط والبرامج التي تستطيع من خلالها أن تمد يد العون والمساعدة لتلك الأسر؟ أتصور أن هناك إمكانات ضخمة لعمل مثل تلك المشروعات، كما أن نتائج نجاحها مضمونة، وخصوصا أن أصحاب القلوب الرحيمة كثيرون في البحرين، ففكرة المشروع بسيطة وموجودة، بل أعتقد أن بإمكاننا أن نطورها ونجعل منها مشروعات ضخمة بحيث تتعاون فيه أطراف عدة، بدءا بالصناديق الخيرية التي لا تخلو منها قرية أو مدينة في البحرين، إلى جانب التنسيق مع المطاعم الكبيرة بضمان الاتصال بها وتحديد الأوقات المناسبة لجمع ما تبقى لديها من أطعمة بشكل يومي وفق جدول زمني، أو بشكل مناطقي أو بأي شكل من الأشكال التي تتناسب مع واقع البحرين الجغرافي. كما أن بالإمكان الاتفاق مع وكلاء السيارات في البحرين بالتبرع ببعض السيارات التي يتم من خلالها جمع الأطعمة وتوزيعها على أسر الفقراء والمحتاجين، والاتفاق مع مجموعة من السواق المتطوعين بحيث يعملون على توزيع الأطعمة بعد التأكد طبعا من سلامتها وصلاحيتها للأكل، وهو ما يمثل أحد أوجه التكافل الاجتماعي الذي من المهم جدا أن نعمل سويا على ترسيخه وتوظيفه.
أتصور أن شيئا من هذا القبيل موجود واقعا في البحرين ولكن بصورة بسيطة جدا، وبمقدورنا تطويره وتحسينه إلى الأفضل، وإن كان موجودا فإنه يتم بجهود مبعثرة وربما فردية غير منظمة، وبإمكاننا أن نجعل منه مشروعا وطنيا يعمل من أجل تحقيق التكافل الاجتماعي بجهود الجميع ولمصلحة الجميع
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1326 - الأحد 23 أبريل 2006م الموافق 24 ربيع الاول 1427هـ