ورشة «العدالة الانتقالية» التي عقدت أمس في فندق «اليت» في السنابس تعتبر نوعية لأن الذين اداروها ثلاثة من الخبراء ذوي الممارسة الدولية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية. فالحقوقي «جو ستورك» كان محرراً لاحدى المجلات الأميركية «اليسارية» المتخصصة في الشرق الأوسط قبل أن يتسلم مهماته خلال السنوات الماضية في منظمة «هيومن رايتس ووتش». وكذلك الحال مع الأخوين الآخرين «هاني المجلي» و«إدريس اليازمي» اللذين عملا كثيراً في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.
فالعدالة الانتقالية هي الإجراءات التي يتوجب اتخاذها لتحقيق «المصالحة» بين مختلف الفرقاء والأطراف الرسمية والأهلية خلال فترة النتقال من حال دكتاتورية الى حال ديمقراطية.
المصالحة التي بدأت بشكل مؤسسي في جنوب إفريقيا عبر «هيئة الحقيقة والمصالحة» انتشرت في أماكن كثيرة، ووصلت إلى المغرب الذي انتهج سياسة جريئة للتصالح وغلق ملف الماضي بشكل يرضي ضحايا القمع السياسي، كما يرضي الجهات الرسمية الاصلاحية التي وجدت في نتائج العملية التصالحية العام الماضي أفضل وسيلة لتحسين السمعة الدولية للمغرب، وأفضل وسيلة لتحقيق اجماع وطني يعزز الأمن والاستقرار ويدفع المسيرة الديمقراطية نحو الغاية التي ينشدها الجميع.
العدالة الانتقالية تتطلب أولاً مشاركة الجميع، الجهات الرسمية والأهلية، وتتطلب أيضاً دعم القيادة العليا لكي ينجح الجميع في طي صفحة الماضي. كما ان العدالة الانتقالية تتطلب التخلص من عقدة الانتقام والمحاكمات وإصدار الأحكام ضد هذه الجهة أو تلك. تجربتا جنوب إفريقيا والمغرب، والتجارب الأخرى في أميركا الجنوبية وغيرها من الدول دلت على ان عملية التسامح تتم بعد الاعتراف بما جرى من أخطاء من مختلف الأطراف الرسمية والأهلية. البعض يطرح امكان طي صفحة الماضي من خلال تناسيها، ولكن هذا الاسلوب لا ينفع، لأن النفس الإنسانية على استعداد لأن تنسى وان تتحرك إلى الأمام إذا حصلت على ارضاء معنوي أولاً.
البعض يطرح انه بالامكان اغلاق الملفات من خلال تعويضات مادية بصورة سرية أو علنية، ولكن التعويضات المادية ليست أهم من التعويضات المعنوية، وأهم التعويضات المعنوية هي الاعتراف بما حدث ومن ثم التسامح والانطلاق بصورة متحررة نحو المستقبل.
وهناك من يعتقد أن العدالة الانتقالية قد تستخدم بصورة سيئة لإحراج النظام، ولكن هذا يعني أن مبادئ العدالة الانتقالية ليست مفهومة، وذلك لأن من شروط العدالة الانتقالية عدم تسيس الموضوع، تماماً كما حدث في جنوب إفريقيا عندما تسلم ملف العدالة الانتقالية القس «ديزموند توتو»... ونائب هذا القس هو الذي اسس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وممثل هذا المركز «هاني المجلي» هو أحد الذين أداروا ورشة الأمس في السنابس
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1326 - الأحد 23 أبريل 2006م الموافق 24 ربيع الاول 1427هـ