استكمالاً لقرائتنا النقدية لتعديلات الحكومة على المرسوم بقانون التجمعات لسنة 1973، نقول ان مشرع التعديلات الحكومية لقانون التجمعات لم يكتف بإعطاء رئيس الأمن العام سلطة منع التجمع السلمي قبل عقده في حالات واسعة كما أسلفنا، بل أعطاه أيضاً سلطة واسعة في تحديد مفهوم الاجتماع العام، فالمشرع على رغم انه ألغى الفقرة الثانية من نص المادة (8) من القانون والمتعلقة بالاجتماعات الانتخابية، فإنه أبقى على الفقرة الأولى التى تحدد مفهوم الاجتماع العام بتعريف ينال وينتقص من هذا المفهوم ويفرغه من مضمونه إذ أصبحت المادة 8 تنص بعد تعديل طفيف عليها لم يغير من مضمونها على انه يعتبر من الاجتماعات العامة في تطبيق أحكام هذا القانون كل اجتماع يعقد في مكان عام أو خاص، يدخله أشخاص لم توجه إليهم دعوة شخصية، كما تجيز هذه المادة لرئيس الأمن العام في حالات واسعة لا حد لها اعتبار الاجتماع، اجتماعاً عاماً: بسبب موضوع الاجتماع، أو بسبب عدد الدعوات الموجهة لحضوره، أو بسبب طريقة توزيعها، أو بسبب أي ظرف آخر لا يعد اجتماعاً خاصاً. وفي هذه الحالات على رئيس الأمن العام أن يخطر الداعي إلى الاجتماع أو منظمه بتنفيذ الواجبات التى يفرضها القانون. معنى ذلك أن لرئيس الأمن العام بموجب هذا النص سلطة تقديرية لما يعتبر من الاجتماعات العامة إذ يمكنه ان يجعل من كل اجتماع خاص اجتماعاً عاماً تنطبق عليه أحكام القانون وتحت مبررات غامضة وضبابية فما هو المقصود مثلا (بسبب أي ظرف آخر)، وبهذا النص نكاد لا نجد معنى للاجتماع الخاص ويفقد الاجتماع العام قيمته، طالما ان لرئيس الأمن العام إمكان اعتبار الاجتماع اجتماعاً عاماً في الحالات الثلاث المشار إليها. وتجدر الإشارة إلى ان الاقتراح البديل الذي توافقت عليه الجمعيات السياسية في المادة الثانية قد عرف الاجتماع العام بأنه (كل اجتماع يعقد في مكان عام مكشوف، يحضره ما لا يقل عن خمسين شخصاً، لمناقشة موضوع أو موضوعات عامة).
ولا يكتفي المشرع بمنح رئيس الأمن العام حق تحديد مفهوم الاجتماع العام بل يمد سلطته في الفقرة الأخيرة من المادة 3 إلى تغيير زمان ومكان الاجتماع تحت مبرّر يتسع لتفسير واسع غير محدد هو السبب الجدي. كما أبقت التعديلات الحكومية على نص المادة 7، (وحكمها ينطبق على المظاهرة والمسيرة) التي تعطي لقوات الشرطة الحق الدائم في حضور الاجتماعات العامة، بل ولها أن تفضها بحجة المحافظة على الأمن والنظام العام، وفي حالات يمكن استخدامها بسوء نية وببساطة ضد أي اجتماع أو مسيرة لا تروق للحكومة كحال خروج الاجتماع عن موضوعه أو الغرض المبين في طلب الترخيص.
وأبت التعديلات الحكومية أن تنسى المحافظ فأضافت للقانون المادة 11 مكرر التي تجيز له أن يحدّد عدداً من الأماكن العامة بمحافظته لعقد الاجتماعات العامة أو التجمعات أو لتنظيم المسيرات والمظاهرات المخطر عنها، وفي ذلك في رأينا تدخل لا مبرر له، ينال من دون شك من جوهر الحق في التجمع السلمي.
وإذا كان النص كما رأينا يعطي لرئيس الأمن العام الحق في التدخل في تحديد مكان الاجتماع ورسم خط المسيرة والمظاهرة، ويجيز للمحافظ ان يحدّد عدداً من الأماكن لإقامتها، وإذا كان نص المادة11 لا تجيز تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات التي تقام أو تسير بالقرب من المستشفيات أو المطارات أو المجمعات التجارية أو مقار البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية أو في الشوارع الرئيسية، أو الأماكن المحظورة أمنياً، فإذا كان كل ذلك فأين إذاً يقام التجمع السلمي؟ وماذا تبقى من مكان يمكن لمنظميه ان يختاروه؟ إذ ليس أمام الحكومة سوى أن تدفن المزيد من البحر وتعلنه أرضاً للتأجير لإقامة المسيرات والمظاهرات عليها! وإذا كنا نتفهم ان لا يقام التجمع السلمي بالقرب من المستشفيات، فإننا لا نتفهم حظر إقامته بالقرب من المنظمات الدولية أو في الشوارع الرئيسية!
وفي الوقت الذي تشدد فيه التعديلات العقوبات المنصوص عليها في المادة 13، وتضيف حكماً جديداً على المادة 6 من القانون يقضي بعدم جواز استخدام أي شخص ان يشترك في اجتماع عام وهو يحمل أسلحة نارية وبيضاء ومواد حارقة وقابلة للاشتعال أو للانفجار، والعصي والأدوات الصلبة أو الحادة وتوقيع عقوبة الحبس أو الغرامة على كل من يخالف هذا الحكم، نجد أن هذه التعديلات تتجاهل في المقابل النصّ على تحريم ومنع قوات الأمن العام من استخدام الأسلحة النارية في فض التجمعات السلمية واعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون، وهي تشمل بالضرورة تحريم القنابل المسيلة للدموع والرصاص والرش والرصاص المطاطي، ولنا أن نتذكر هنا أن البحرين فقدت الشاب محمد جمعة شهيداً في ظل مرحلة الإصلاح نتيجة لهذا الاستخدام من قبل الشرطة في ظرفٍ لم يكن يستدعي استخدامها. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ان الاقتراح البديل المتوافق عليه من الجمعيات السياسية، في الوقت الذي نص على عدم إجازة حمل السلاح في التجمع السلمي وهو النص المضاف ذاته من قبل الحكومة، نجد أن هذا الاقتراح البديل قد نص في المادة 13: «لا يجوز لقوات الأمن استخدام الأسلحة النارية والمطاطية لمواجهة أي تجمع أو مظاهرة أو موكب أو مسيرة أو ما في حكمه»، ويعاقب بالعقوبات المقررة في أنظمة الخدمة العسكرية والأمنية.
هكذا يمكن القول من قراءة التعديلات الحكومية على المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 1973 بشأن التجمع السلمي، لا تنسجم مع المعايير الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) وتخالف أحكام الدستور وعلى وجه التحديد حكم المادتين (28، 31).
ويبدو ان العبارة الواردة في الفقرة ب من المادة28 من الدستور والتي تقضي انه «وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون»، أعطت مشرع الحكومة الفرصة كي يسلب جوهر ومضمون حق التجمع السلمي، فبدلاً من ان تكون القاعدة في حرية هذا الحق هي الإطلاق والإباحة، والتقييد هو الاستثناء، حدث العكس، فأبقت هذه التعديلات على أحكام مضى على صدورها أكثر من ثلاثين سنة، بل وقبل أن يصدر أول دستور للبلاد، كما أضافت أحكاماً جديدة نالت من جوهر الحق وجعلت من ممارسته جريمة، وقيدته كما رأينا بعدة قيود
إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ