العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ

مركزية معالجة مياه الصرف ... كلف عالية ومخاطر بيئية

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تدل الدراسات الاقتصادية الحديثة التي قامت بها منظمة الصحة العالمية وجامعة الخليج العربي في مجال معالجة مياه الصرف الصحي في المنطقة العربية على أن كلفة المعالجة الفعلية لمياه الصرف الصحي في معظم هذه الدول تتراوح ما بين 20 و25 في المئة من الكلفة الكلية لعملية المعالجة، بينما تتراوح كلفة نقل المياه من التجمعات الحضرية إلى محطات المعالجة ما بين 75 و 80 في المئة من هذه الكلفة. ويرجع ذلك إلى أن معظم هذه الدول تتبع النظام المركزي التقليدي في تصميم وتشغيل أنظمة المعالجة، الذي يتم فيه تجميع المياه العادمة من مناطق بعيدة تصل إلى عشرات الكيلومترات إلى محطة مركزية للمعالجة، كما هو الحال في البحرين، إذ يتم تجميع المياه من مختلف مناطق البحرين المنامة وجزيرة المحرق ومدينة حمد وجزيرة سترة والتجمعات الحضرية بالمنطقة الشمالية الغربية، لمعالجتها في محطة توبلي المركزية لمعالجة المياه العادمة، الأمر الذي يرفع من كلفة نقل المياه في هذا النظام بسبب كلف إنشاء شبكة التجميع وما يتطلبه ذلك من عمليات حفر للمحافظة على ميل مناسب لتدفق المياه العادمة والأجزاء الصلبة بها، بالإضافة إلى كلف الصيانة والضخ لهذه الأطوال الكبيرة من أنابيب شبكة التجميع.

وبالإضافة إلى الكلف الاقتصادية العالية للنظام المركزي، يحتوي هذا التصميم على الكثير من المخاطر والمشكلات البيئية والتقنية، وتتمثل المخاطر البيئية أساساً في إمكان تعطل المحطة الرئيسية لسبب ما كانقطاع الكهرباء أو حدوث خلل فني في المحطة أو وصول مخلفات كيماوية أو صناعية لمحطة المعالجة غير المجهزة لمعالجة هذا النوع من المخلفات، ما يؤدي إلى فيضان مياه الصرف الصحي وتأثيراتها السلبية على صحة الإنسان والبيئة عموماً.

بالإضافة إلى ذلك، فإنه في النظام المركزي يصعب التحكم في نوعية المياه المستقبلة بسبب مرور شبكة تجميع المياه على مساحات كبيرة ومجمعات عدة لا تكون جميعها منزلية، ما يرفع من احتمالات صرف مواد كيماوية أو صناعية بالشبكة مع مياه الصرف الصحي المنزلية الأمر الذي يؤدي إلى تقليل كفاءة محطة المعالجة، ويتسبب في تعطلها، فمثلاً أشارت إحدى الدراسات المتعلقة بكفاءة محطات المعالجة في المملكة العربية السعودية إلى أن السبب الرئيسي لعطل المحطات وانخفاض كفاءتها هو إلقاء المصانع والورش بمياهها في شبكة تجميع المياه البلدية. وما يزيد من هذه الاحتمالات عدم وجود التخطيط السليم لاستخدامات الأراضي وتداخل الأنشطة التجارية والصناعية مع المناطق السكنية. فمثلاً نجد في البحرين أن الكثير من المناطق السكنية والتجارية يوجد بها ورش السيارات، مثل: «منطقة جدعلي وسوق واقف»، التي يمكن أن تقوم بصب مخلفاتها السائلة مثل الزيوت والمواد الكيماوية وغيرها في شبكة الصرف الصحي المنزلية.

وإضافة للكلف العالية لتجميع المياه والمخاطر البيئية والمشكلات التقنية التي تم ذكرها أعلاه، تمثل عملية إعادة الاستخدام لمياه الصرف الصحي بعد معالجتها في النظام المركزي مشكلة اقتصادية إضافية، وذلك بسبب ارتفاع كلفة إنشاء شبكات التوزيع لخدمة المناطق البعيدة المستفيدة منها وتشغيلها وصيانتها. ففي البحرين يتم نقل المياه بعد معالجتها من محطة توبلي المركزية الواقعة في المنطقة الشرقية من البحرين إلى المناطق الغربية الشمالية والجنوبية التي تبعد عنها عشرات الكيلومترات.

ولذلك فإن التوجه العالمي الحالي في أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي هو نحو النظام اللامركزي لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، أي بناء محطات معالجة صغيرة تخدم مناطق التجمعات السكانية بحيث تعالج مياه الصرف الصحي في هذه المناطق ويعاد استخدامها في المناطق نفسها تقليلاً للكلف الاقتصادية والمخاطر والمشكلات البيئية والتقنية. ولقد قامت بعض الدول مثل الأردن وقبرص بإعادة النظر في أنظمة المعالجة المركزية لديها وبدأت في التحول تدريجياً نحو النظام اللامركزي في المعالجة وإعادة الاستخدام.

وفي هذا الصدد، يشار إلى أن مشروع المدينة الشمالية يمكن اعتباره أفضل مثال على هذا التوجه الحديث في تصميم أنظمة تجميع ومعالجة المياه العادمة، فلقد تم وضع استراتيجية تجميع ومعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي بحيث تكون بالمدينة نفسها، بدلاً من نقلها من المدينة الشمالية إلى محطة توبلي المركزية للمعالجة ومن ثم استرجاعها لإعادة استخدامها، وذلك تحقيقاً للكثير من الأهداف الاقتصادية «خفض كلف النقل لمسافات تصل إلى أكثر من 15 كيلومتراً، والتوزيع لإعادة الاستخدام لمسافات مساوية لها» والبيئية «المعالجة والاستخدام عند المصدر لتقليل الضرر البيئي والتحكم في نوعية المياه المستقبلة بالمحطة لتكون غالبيتها مياه صرف منزلية»، والتقنية «ارتفاع درجة حرارة المياه أثناء نقلها لمسافات طويلة وتغير نوعية مياه الصرف ما يسبب مشكلات لعملية المعالجة)، بالإضافة إلى تقليل المخاطر البيئية في حال عطل المحطة المركزية. وتفرض الكلفة العالية والمخاطر البيئية المحتملة للنظام المركزي ضرورة انتباه المسئولين ومتخذي القرار في قطاع الصرف الصحي في البحرين إلى أهمية تقييم وحساب الكلف الاقتصادية للمعالجة وإعادة الاستخدام والمخاطر البيئية والتقنية للنظام الحالي المتبع. إذ إن النظام المركزي الحالي قد أنفقت عليه مبالغ ضخمة أخيراً تمثلت في توسعة محطة توبلي المركزية وإنشاء شبكات التجميع والتوزيع، فإنه من الأهمية بمكان النظر في تحويل هذا النظام تدريجياً إلى النظام اللامركزي في المستقبل وعمل الدراسات الاقتصادية والهندسية والبيئية لإنشاء محطات معالجة صغيرة لخدمة مراكز التجمع الحضري البعيدة عن محطة توبلي للمعالجة مثل مدينة المحرق وسترة والمنطقة الغربية ومدينة حمد والرفاع، وخصوصاً أن بعض هذه المدن مثل مدينة المحرق تحتاج إلى كميات كبيرة نسبياً للري والتشجير كونها واجهة المملكة للزوار القادمين عن طريق المطار، وتعتمد حالياً على المياه الجوفية المتدهورة نوعياً وكمياً، وفي الوقت ذاته يواجه نقل المياه لها من محطة توبلي صعوبات اقتصادية وتقنية

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً