على رغم أن تصريحات الكاتبة خولة القزويني عن عمل المرأة ليست بجديدة، إذ أعلنت أكثر من مرة آراءها المتحفظة تجاه هذا الموضوع بالذات، فإن تلك الآراء فتحت الباب واسعاً أمام عدد من النسوة البحرينيات للنقاش.
أكثر من حضر اللقاءات التي أقيمت على هامش زيارة الكاتبة الإسلامية خولة القزويني في البحرين كن من النسوة «المتدينات»، ومع ذلك ناقشنها في آرائها المتحفظة بشأن عمل المرأة في السياسة، وخروج المرأة للعمل بوعي عالٍ، وفكر متميز وعقلاني يحسدن عليه.
لسنا هنا في معرض تأييد رأي الكاتبة أو انتقاده، فذلك هو رأيها الشخصي، ولم تذكره إلا بعد أن سألتها عنه الناشطات الإسلاميات، أو وسائل الإعلام، ولم تقم بشن حملة لفرض آرائها بـ «القوة» على المتلقيات، والأكثر، أن كثيرات من قارئاتها وجدن اختلافاً بين روح رواياتها، وبين آرائها الشخصية. فمن حق أي منا أن يعبر عن قناعاته الخاصة، ومن حقنا أن نقبلها أو نرفضها، أو نناقشها.
لسنا إذاً بصدد تقييم الفكرة أو تقويمها، وإنما نحن بصدد مراقبة النساء البحرينيات في تعاطيهن مع هذه الآراء، النساء «المتدينات»، اللاتي ناقشن بحرفية عالية الدور الذي رأينه مفروضاً عليهن للمشاركة في المجتمع، عبر السياسة أو العمل التطوعي أو العمل، الدور الذي يعبر عن واقعهن الذي يرينه ولا يحتمل التنظير.
يمكننا أن نكون موضوعيين تجاه فكرة الكاتبة في عمل المرأة أو دخولها المعترك السياسي، ونتفهم الأسباب التي دعتها إلى تبني هذه الأفكار التي ربما انطلقت من حرصها على المجتمع، لكننا لا يمكن أبداً أن نكون موضوعيين في ملاحظتنا للواقع المعاش، الذي نراه ونلمسه ونعيشه.
فهل من الواقعي في القرن الواحد والعشرين، بكل تحدياته، وتعقيداته، وبكل همومه ومشكلاته، أن نطلب من المرأة أن تبتعد عن السياسة، وعن العمل، وأن تلزم منزلها وتربي أولادها؟ حتى لو كانت هذه النظرة صحيحة، وحتى لو كانت صورة للمجتمع المثالي الذي نبتغيه، هل يمكننا أن نتبنى الآن، في هذا الوقت بالذات هذا التوجه، ونلغي سنوات طويلة خرجت فيها المرأة من المنزل، وعملت وشاركت في المجتمع بكل وجوهه حتى لو كان هذا الخروج خطأ في بدايته، وحتى لو كان ناتجه مجتمعاً مفككاً، هل يمكننا أن نلغي أنه حصل فعلاً على أرض الواقع، وأن تبعاته قائمة على أرض الواقع، وأننا لمسناه وتربينا عليه وتنفسناه، على أرض الواقع؟
هل يمكننا أن نتجاهل أن موضوع عمل المرأة في مجتمعنا مثلاً، لم يعد موضوعاً للجدل أو النقاش، ليس لأننا ناقشناه وتوصلنا إلى قناعة فيه، بل لأننا ولدنا وهو أمر واقع لا يحتمل الجدل.
فثلاث أرباع نساء البحرين يعملن خارج منازلهن، ليس لرفاهية وليس لرغبتهن في مساواة الرجل أو تحديه، وإنما لحاجة ضرورية وملحة إلى عملهن، بناء على معطيات واقعية كثيرة. وأكرر، لسنا في معرض التقييم، ليس هذا الواقع صحيحاً أو خاطئاً، لكنه أمر واقع في النهاية، يجب أن نتعاطى معه لأنه مفروض فعلاً، أما خطاب استهجان خروج المرأة للعمل خارج منزلها، فهو خطاب قديم جداً، ليس لأنه خطأ، وليس لأنه مرفوض، ولكن لأن الواقع الذي نراه بأم أعيننا، يفرض معتقدات أخرى، ويفتح الباب لمناقشات أخرى
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ