العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ

ذكريات مع الراحل ميشال أبوجودة

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

زرت بيروت لأول مرة في منتصف الخمسينات واستمتعت بأيام جميلة ولاسيما صيفا في مصيف عالية والفندق الجميل كلاريدغ، وكذلك مصيف بوحمدون وفندقه الجميل سبلنديد وكنت في كل صيف عندما أزور لبنان اذهب الى هذين الفندقين الى جانب مصيف حمانة القريب منهما. كان الخليجيون يصيفون في هذه المناطق الباردة صيفاً. ومن يزور لبنان لابد ان يزور ساحة الشهداء والوسط التجاري فيها للتسوق. وقد تابعت تطورات الأوضاع السياسية الأخيرة في لبنان وتداعياتها المختلفة فقد اجتمع مختلف الفرقاء لبحث أمرين مهمين: مسألة إقالة الرئيس لحود واحتفاظ حزب الله بسلاحه، بينما قرار مجلس الأمن 1559 يدعو إلى نزع أسلحة الميليشيات اللبنانية والفلسطينية. ويضجّ وسط بيروت بالمطاعم والمقاهي والمتاجر على مختلف أحجامها، ويهمّ المواطن اللبناني العادي أن يناقش السياسيون أموراً مصيرية بعيداً عن أي تشنج سياسي وتصعيد المواقف والتصريحات، شدّني تصريح البطرياك نصرالله صفير بأن على الرئيس لحود أن يقرّر إذا كان اعتزاله أو بقاؤه في الرئاسة لمصلحة لبنان أو عدمها، وهو يتحمّل مسئوليته أمام الله والتاريخ، أما الرئيس لحود فقد اتهم الحكومة اللبنانية والاكثرية فيها بأنها تابعة لقوى خارجية متحالفة مع «اسرائيل». وانه لابد من التعاون بين مجلس النواب ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، وإذا تعطّل أحدها تصاب الثلاثة بالعطب والعجز.

تابعت عن قرب الجدال الساخن الدائر في لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري، وتذكرت الصحافي الراحل ميشال أبوجودة المولود في العام 1933، فهو الصحافي اللامع الذي عرفته نهاية الستينات خلال عملي في وزارة الاعلام في البحرين، وتعمّقت به علاقتي في الفترة بين 1977 و1979 خلال عملي الدبلوماسي في بيروت بتلك الفترة الحبلى بالحوادث السياسية المهمة، لاسيما بعد دخول قوات الردع السورية الى جانب قوات سعودية وسودانية ويمنية واماراتية بقرار من القمة العربية التي عقدت في القاهرة في اكتوبر1976. درجت على الذهاب الى مكتب النهار في شارع الحمراء مساء عدة مرات في الأسبوع وحيداً، وأحياناً مع سفير الكويت عبدالحميد البعيجان وكثيراً ما ألتقي صاحب دار النهار ورئيس تحريرها، غسان تويني. هذه الصحيفة صرح إعلامي كبير، وقد خاضت معارك سياسية متعددة ومرت بمراحل صعبة منذ تأسيسها بسبب رفعها راية المعارضة اللبنانية البناءة، وحزنت جداً لاغتيال جبران رئيس تحريرها الذي سار على خط والده الصحافي والسياسي اللامع. وقد أضاف جبران نبضا جديدا الى النهار والتقيته في بكين العام 1995. وفي مكتب ميشال التقيت مرات علي حسن سلامة وزوجته الرائعة الجمال جورجينا رزق ملكة جمال لبنان آنذاك، وكان سلامة مسئولاً عن الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية في لبنان، واغتالته المخابرات الاسرائيلية آنذاك اثناء مرور سيارته خارجاً من «النهار» بجهاز تفجير عن بعد.

كان علي هذا وسيماً ممشوق القوام تعشقه النساء وتخطب وده ورضاه، وقد احتفل بتكريم هذا الرائد الصحافي الفذ في مارس/آذار، وهو علامة إعلامية ايجابية فارقة. وكان عنوان عموده اليومي «من حقيبة النهار»، كما كتب أعمدة أخرى بأسماء مستعارة. عند زيارتي له يحرص أن يعرض مسودة عموده اليومي على زواره من الدبلوماسيين والصحافيين في دار النهار قبل طبعه وذلك لاستمزاج آرائهم والاستئناس بها. وقد طبقت شهرة عموده اليومي العالم العربي بأسره بسبب موضوعية أبوجودة واستقرائه الحوادث، واستشرافه للحاضر والمستقبل بنظرة ثاقبة ولاسيما الحوادث اللبنانية بعد اشتعال الحرب الاهلية في أبريل 1975.

كان أبوجودة خير من عبر عن هموم لبنان وأوجاعه السياسية والاجتماعية بضمير حي متيقظ وكذلك هموم المواطن العربي الذي يتطلع إلى المزيد من الحرية والديمقراطية وسيادة القانون وإحلال العدالة الاجتماعية من تكافل ومحبة بين المواطنين. وكان ينادي في كتاباته بالمعارضة البناءة ذات الاهداف السامية وبعيداً عن المزايدات والمهاترات السياسية الفجة إذ كان صوته مسموعاً لأنه يدعو إلى بث روح الاصرار والعزيمة بعيداً عن كل خوف وخور، وقد تعرض لتهديدات عدة خلال عمله وكذلك لعملية خطف وإطلاق رصاص. ومن خلال معرفتي المباشرة به لمست فيه دماثة الخلق ويقظة الضمير ومحبته لكل أصدقائه. وحزّ في نفسي وآلمني انه كان فقيراً ومعوزاً وأن قلمه هذا لم يدر عليه المال، بل جلب له التعاسة والمنغصات ولم يدفعه هذا إلى سلوك طريق الابتزاز والنيل من الآخرين ونأى بنفسه عن ذلك، على عكس صحافيين كثيرين نهجوا نهجاً مختلفاً، وربما أعود الى ذلك في موضوع آخر

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1325 - السبت 22 أبريل 2006م الموافق 23 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً