العدد 1324 - الجمعة 21 أبريل 2006م الموافق 22 ربيع الاول 1427هـ

قراءة نقدية لتعديلات الحكومة على المرسوم بقانون التجمعات لسنة 1973 (1)

حسن علي اسماعيل comments [at] alwasatnews.com

محام بحريني

يقصد بالحق في التجمع السلمي، في الدستور والمواثيق الدولية قدرة المواطنين على الالتقاء بشكل جماعي بهدف عقد الاجتماعات العامة أو المؤتمرات أو المسيرات والمظاهرات والاعتصامات السلمية في أي مكان وزمان، مهما كانت الجهة المنظمة لها، وذلك لتبادل الرأي أو لبلورة المواقف، أو للتعبير عن آرائهم بالخطابة أو المناقشة تجاه قضية أو قضايا مختلفة تهمهم، والحق في التجمع السلمي هو امتداد للحق في حرية التعبير، وجزء لا يتجزأ منه، وهو إحدى الطرق المشروعة للتعبير عن الرأي لممارسة ضغط على السلطة التنفيذية بهدف التعبير عن مواقفهم وتحقيق مطالبهم، إلا أن هذا الحق شأنه شأن بقية الحقوق لا يعد حقا مطلقا بل هو نسبي، يجب أن يمارس من دون انتهاك لحقوق وحريات باقي المواطنين، وأن يكون طابعه سلميا، من دون الاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة، أو الدعوة إلى الكراهية أو رفع شعارات ترسخ وتعزز الطائفية أو أي شكل من أشكال التفرقة.

وتكفل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان حق التجمع السلمي، فالمادة 20/ 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن «لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية»، كما اهتم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بهذا الحق، إذ نصت المادة 21 منه على أن «يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم».

إن حق التجمع السلمي بهذا المفهوم وفي إطار المواثيق الدولية يشمل تنظيم الاجتماعات العامة والاعتصامات والمسيرات والمظاهرات، وإن الأصل في ممارسة هذا الحق هو الإباحة وإطلاق حق الأفراد في ممارسته، وإن القيود التى تفرض على هذا الحق لابد أن يتوافر فيها شرطان: الأول أن ينص عليها القانون (أي ان ممارسته يتعين أن تكون في حدود القانون)، والثاني أن تكون تدابير هذه القيود ضرورية ومقبولة في مجتمع ديمقراطي (أي في مجتمع لا يتسم بسمة من سمات المجتمعات الاستبدادية، والنص على المجتمع الديمقراطي إشارة صريحة إلى أن التجمع السلمي مرتبط بتقدم المجتمع ديمقراطيا وبمدى اعترافه بحقوق وحريات الأفراد).

يشار هنا إلى أن الميثاق العربي نص في المادة (25) على ما أورده العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أنه لم يأخذ بمعيار المجتمعات الديمقراطية لضبط تدخل القانون في وضع القيود على استخدام الأفراد لحرياتهم، كما أن هذا الميثاق يشير في أكثر من مادة لضوابط الأمن القومي والنظام العام والآداب العامة من دون تحديد أو وضع معايير واضحة ودقيقة لها وهو ما يؤدي إلى التضييق على ممارسة الحقوق والحريات وإفراغها من مضمونها، وهو الوضع السائد في العالم العربي.

وقد جاء دستور مملكة البحرين متماشيا مع ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والدساتير المقارنة، إذ نصت المادة (28) من هذا الدستور على أنه:

أ- للأفراد حق الاجتماع الخاص من دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة.

ب- الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والاوضاع التى يبينها القانون على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الاداب العامة.

ويتبين من هذا النص الدستوري أن الأساس الذي يقوم عليه الحق في التجمع السلمي هو إباحة عقد الاجتماعات، وعدم وضع القيود عليها سوى تلك التى ينص عليها القانون، من دون أن ينال هذا القانون من جوهر هذا الحق حسبما تقضي به المادة (31) من الدستور، وأن تكون أغراض ووسائل هذه الاجتماعات سلمية ولا تنافي الآداب العامة.

وإذا كان الحق في التجمع السلمي على نحو ما رأينا، وكانت الحكومة قد سحبت مشروع قانون التجمعات الذي سبق وأن عرضته على مجلس النواب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، وأوصت لجنته التشريعية والقانونية بعدم دستورية، وانتقدته القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ووضعت بديلا له، وإذا كانت الحكومة قد استعاضت عنه بتعديل المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1973، المعمول به منذ 5 سبتمبر/ أيلول 1973، فإن الأسئلة تظل مطروحة بشأن مدى انسجام أحكام هذا المرسوم والتعديلات التى أدخلتها الحكومة عليه مع مفهوم الحق في التجمع السلمي، ومع أحكام الدستور وعلى وجه التحديد حكم المادتين (28، 31)، ومع المعايير الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية!

النيل من جوهر

حق التجمع السلمي

التعديلات التي أدخلتها الحكومة على المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمواكب (المسيرات) والتجمعات، وان أبقت على حكم المادة الثانية من هذا القانون والذي يقضي بوجوب أن يقوم منظم الاجتماع العام - وهو ما ينطبق على منظم التجمع والمسيرة والمظاهرة بحسب نص المادة التاسعة من القانون - بإخطار الجهة الإدارية وهي بحسب التعديل رئيس الأمن العام قبل الاجتماع بثلاثة أيام أي من دون اشتراط موافقة مسبقة خلافا لما كان يقضي به مشروع القانون المسحوب الذي كان يتطلب مثل هذه الموافقة، إلا أن هذا القانون المعدل مازال يتضمن أحكاما تقيد الحق في التجمع السلمي لم يتم إلغاؤها أو تعديلها، وان بعض هذه التعديلات التى أدخلتها الحكومة جاءت لتعزز هذه القيود، أبرزها يتجلى فيما يأتي:

1- عيب في الشكل والموضوع

اشتمل تعديل الحكومة على إضافة البند (ب) من المادة الثانية إلى القانون والذي ينص على أنه إذا وقع في الاجتماع أو في المسيرة التي تم الإخطار عنها إخلال بالأمن، أو النظام العام، أو حصل إضرار بالغير أو بالأموال العامة والخاصة، يتحمل المتسببون في الإضرار المسئولية المدنية والجنائية وتكون هذه المسئولية تضامنية بين منظمي الاجتماع والمتسببين في الإضرار إذا تم الاجتماع أو المسيرة من دون إخطار، وهي في رأينا إضافة معيبة من حيث الشكل والموضوع لا داعي للنص عليها على الإطلاق.

فمن حيث الشكل وعلى افتراض صحة الموضوع وهو غير صحيح، فإن هذا التعديل اشتمل على مفردة المسيرة في حين أن أحكام المسيرة قد افرد لها الفصل الثاني من القانون الخاص «بالمظاهرات» ومن ثم لا يجوز من حيث الشكل أن تتضمن المادة الثانية التي جاءت ضمن الفصل الأول الخاص «بالاجتماعات العامة» مفردة المسيرة، طالما ان المادة (9) نصت على سريان أحكام المادة (2) على المسيرات.

ومن حيث الموضوع فإن المسئولية المدنية حددها القانون المدني في الفصل المتعلق بالفعل الضرري ونص بوضوح على أن «كل من سبب ضررا للغير يلزم بتعويضه»، أما المسئولية الجنائية فقد حددها قانون العقوبات، كما حددها قانون التجمعات نفسه حين نص على الأفعال الجنائية وحدد لها العقاب في المادة (13). ومن ثم لا سبب هناك يدعو لوجود نص البند (ب) من المادة الثانية.

2- الأمن العام يمنع التجمع السلمي قبل عقده

يفقد الإخطار أهميته حين نرى بان التعديلات الحكومية قد أبقت على الفقرة الأولى من المادة (4) والتي تقضي بحق رئيس الأمن العام ان يمنع اجتماعا عاما تم الإخطار عنه - وهو ما ينطبق على التجمع والمسيرة والمظاهرة - إذا كان من شأنه الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو حسن الآداب، أو بسبب الغاية منه، أو بسبب ظروف الزمان والمكان الملابسة له أو لأي سبب خطير غير ذلك. ويتضح من النص المدى الواسع الذي يجوز فيه لرئيس الأمن العام منع اي تجمع سلمي قبل إقامته وان تم الإخطار عنه، وهو ما يعنى ان الحق في إقامة التجمع السلمي من دون موافقة مسبقة لا قيمة له، فاقد المحتوى، إذ يستطيع رئيس الأمن العام وفقا لهذا النص ان يقرر مثلا بان التجمع مخل بالأمن قبل إقامته، فالنص بهذه الكيفية يفتح الباب على مصراعيه لرئيس الأمن لاستخدام حالات المنع المنصوص عليها حسب تفسيره ورأيه ومزاجه، وخصوصاً أن النص لا يشتمل على تحديد واضح للمقصود بالأمن أو النظام العام، ويحتوي على مفردات تتصف بالضبابية والغموض وتحتمل اكثر من تفسير وتأويل. كظرف الزمان والمكان، والسبب الخطير.

ان هذا النص، نص المادة 4 وان أجاز في الفقرة الثانية منه لمنظمي الاجتماع الطعن في قرار المنع امام المحكمة المختصة، في خطوة متقدمة عما كان عليه النص الأصلي الذي كان يجيز التظلم من أمر المنع إلى رئيس الوزراء، إلا أن الحالات الواسعة التي أجازها النص لرئيس الأمن العام لمنع التجمع قبل عقده يشكل انتهاكا صارخا للحقوق والحريات والضمانات التى حرص دستور 2002 على تأكيدها، ويشكل خروجا عن ان الأصل في حق التجمع السلمي هو الإباحة إذ لا يتطلب للقيام به موافقة مسبقة من الجهة المختصة، وقد نص الدستور على إباحتها، وللخروج عن هذا الأصل يقتضي النص الصريح عليه في الدستور، وهو ما لم يفعله المشرع الدستوري، لذلك فإن أي اشتراط ينص عليه القانون، بأية طريقة وتحت أية ذريعة يقضي بضرورة موافقة السلطة التنفيذية على الاجتماع قبل عقده، أو على المظاهرة قبل إقامتها يعد اعتداء على حرية الأفراد في التجمع السلمي ويكون مشوبا بعدم الدستورية.

محام بحريني

إقرأ أيضا لـ "حسن علي اسماعيل"

العدد 1324 - الجمعة 21 أبريل 2006م الموافق 22 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً