شهدت البحرين خلال العقدين الماضيين تجربة غنية في العمل الخيري التطوعي تدعو إلى الاعتزاز والفخر. وكانت خير داعم لعمل الوزارات الرسمية، بفضل تنوع برامجها بين تقديم مساعدات مادية وعينية، شهرية وموسمية، ومساعدات زواج وبناء وترميم منازل، ومساعدات علاجية وتعليمية وشراء أجهزة منزلية وحالات طوارئ كالحريق. وهي في ذلك تدلل على طيب معدن هذا الشعب وكرم أخلاقه وتكافله لتجاوز الأزمات الاقتصادية والمشكلات المعيشية.
الآن، وبعد مرور أكثر من عشرين عاما على التجربة الخيرية التي تدعو إلى الفخر، نعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في آليات العمل والتفكير في وسائل عمل أفضل وأكمل لخدمة إنسان هذا البلد.
هذا الهاجس يعيشه الكثير من العاملين في المؤسسات الخيرية، اليوم لا نخاف من تراجع العمل بعد أن ثبَّت جذوره في الأرض، وكسب تأييداً واسعاً من الناس لما يتمتع به من درجة صدقية وشفافية كبيرة. انما التحدي الأكبر هو في استعدادنا للتفكير في تطوير عملنا الخيري بحسب معادلة: «أن نعطي الناس سنارة للصيد بدلاً من إعطائهم سمكة كل يوم».
الصناديق الخيرية قامت بعمل جبار، ويكفي أن نعرف انها قدمت مساعدات شهرية إلى أكثر من 10 آلاف أسرة محتاجة بسبب العجز عن العمل والشيخوخة والمرض والترمل واليتم والفقر وسجن العائل، بمبلغ إجمالي قدره 4,231,158 دينارا، بحسب العام 2002. وهو مبلغ كبير بلاشك، يوم كان عدد الصناديق 66 فقط، بينما زادت الآن إلى 88 صندوقا، وبالتالي يمكننا مضاعفة هذا الرقم.
مع ذلك نقول: لابد من إعادة النظر في آليات العمل، وهي للحق هاجس لدى الكثير من القائمين على عمل الصناديق الخيرية، وفي الوقت نفسه كان الهاجس وراء قيام «جمعية العمل الخيري الاجتماعي البحرينية». وبصفتي مراقباً ومهتمّاً بالعمل الخيري، لاحظت أن هناك التباساً لدى بعض الحضور في مؤتمر «إشكالات العمل الإسلامي الثاني» قبل ليلتين، تمثل في الشعور بوجود «نوع من الازدواجية في العمل، وتهديد عمل الصناديق». والحق انه عمل مكمل لها، إذ ستركز الجمعية على تنمية المورد البشري أساسا، وستعمل يدا بيد مع الصناديق لخدمة الطبقات الأكثر احتياجاً لتحويلهم من خانة العوز وذل السؤال، إلى الاكتفاء والعطاء. من هنا نلاحظ تركيز الجمعية على توفير بعثات ومنح دراسية، بعيداً عن العمل المناطقي، والاعتناء بترشيح العناصر التي يتوسم فيها النجاح لتكملة مشوار الدراسة الجامعية. وهو أمر لا يحظى بأولوية كبرى لدى كثير من الصناديق، بسبب ضعف الإمكانات أو الانشغال بدور قناة توصيل المعونة من المحسن إلى المحتاج. وهو عمل لن ينتهي أبداً، لأن الحاجة متجددة، والفقراء في تزايد مطرد.
الطرح الجديد توجه عالمي تعتمده الكثير من الدول المتقدمة والنامية، وهو بالمناسبة فكرة إسلامية أصيلة، فكلكم تتذكرون الشاب الذي جاء إلى النبي (ص) طالبا المعونة، فأمر له بفأس ليحتطب به ويكفي نفسه وعائلته ذل السؤال.
بارك الله في عمل الصناديق والقائمين عليها، وعلينا أن نسأل أنفسنا من دون حساسيات: من أين وإلى أين؟ وهو ما يحتاج إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وتجديد في التفكير وبحث عن آليات متطورة لعمل أفضل
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1323 - الخميس 20 أبريل 2006م الموافق 21 ربيع الاول 1427هـ