حل المعضلة التي تعصف بالمجتمع المسلم اليوم قد يكون موجوداً في العودة إلى الاجتهاد، وإعادة فتح البوابات إلى الاجتهاد ستسمح للمسلمين «بأن يعيدوا تفسير الإسلام للقرن الحادي والعشرين». هذا ما ورد في تقرير أغسطس / آب 2004 الخاص الشامل الصادر عن معهد الولايات المتحدة للسلام. «ممارسة الاجتهاد» كما يؤكد التقرير الذي جرى إعداده بمشاركة عدد من العلماء المسلمين الذين يتمتعون باحترام واسع، «يجب إعادة إحيائها». الاجتهاد هنا هو الممارسة الممُأسسة لتفسير الشريعة الإسلامية للأخذ في الاعتبار الظروف التاريخية المتغيرة وبالتالي وجهات النظر المتباينة.
الجهاد هو التفسير المستقل أو الأصلي للقضايا التي لم يشملها القرآن الكريم أو الحديث (التقاليد التي تخص حياة النبي (ص) وأقواله) أو الاجماع (اتفاق العلماء الكامل). في الأيام الأولى لمجتمع المسلمين كان لكل قانوني كفؤ مناسب، الحق في ممارسة هذا التفكير الأصيل.
إلا أنه خوفاً من ضعف قوتهم السياسية أغلقت بوابات الاجتهاد على المسلمين السنة من قبل العلماء الدينيين قبل خمس مئة عام. ومنذ ذلك التاريخ اعتمد العلماء والضالعون في القانون على المعنى الأصلي والتفسيرات الأولى للقرآن والحديث، إلا أن هناك حركة متنامية اليوم بين العلماء والمفكرين لإعادة إحياء ممارسة الاجتهاد.
المجتمع المسلم اليوم يواجه اضطراباً: الحروب في العراق وأفغانستان والاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية والإحباطات التي تسببها الأنظمة الاستبدادية وغياب الديمقراطية، جميعها تآمرت فولدت شكلاً متطرفاً مسيساً وعنفياً من الإسلام، تحول أتباعه إلى الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافهم، لقد قاموا بتسييس الإسلام.
وبعكس ما يعتقد صامويل هنتنغتون بأن الغرب والإسلام يتجهان إلى صراع حضارات، فإن علماء آخرين يجادلون بأن الصدام الحقيقي هو بين فكرتين آخذتين في التباعد داخل الإسلام نفسه؛ الصدام هو بين الإسلام المسيس ذي العنصر المتطرف الذي تحول إلى العنف كوسيلة للتعبير عن نفسه، وغالبية التيار الرئيسي التي بقيت صامتة. الحقيقة هي أن تكتيكات هذه القوى الجانبية من المسلمين المسيسين بشكل كبير أثبتت فائدتها في تخويف التيار الرئيسي بشكل مباشر وحمله على الصمت النسبي.
«لقد أثبت الإسلام السياسي أنه قوة هائلة على رغم أن الحركات والمنظمات الإسلامية تشكل أحياناً أقلية في المجتمع»، بحسب قول أستاذ الدين في جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة جون إسبوزيتو.
كما هو الحال في معظم النزاعات، لا يمكن أن تأتي الحلول إلا من الداخل؛ وبالمثل فإن علاج ما تعاني منه بعض المجتمعات المسلمة لا يمكن إلا أن يأتي من الإسلام نفسه. لا يمكن فرض الحلول من الغرب؛ ولكن قبل أن يحصل ذلك، هناك أمران يجب حدوثهما:
أولاً: يجب على التيار الرئيسي في الإسلام أن يلعب دوراً أكبر في مجتمعه. ثانياً: يجب إعطاء هذا التيار أداة مسئولة تمكنه من إجراء تغييرات إيجابية، هذه الأداة هي الاجتهاد.
إعادة استخدام الاجتهاد تتمتع بدعم عدد متزايد من العلماء والمفكرين والمؤسسات الإسلامية في كل من الغرب والعالم العربي؛ حتى وزير الأوقاف السعودي الشيخ صالح عبدالعزيز الشيخ ورئيس الديانات علي برداكوغلو وهو أعلى مرجع ديني في تركيا يدعمان ذلك. كلا المرجعين أعلنا في مقابلات أنهما يوافقان على إعادة استخدام الاجتهاد.
«الاستراتيجية العامة هي توسيع قاعدة المعتدلين»، بحسب قول الوزير السعودي. إلا أنه حذر من أنه «طالما أن هناك أموراً سيئة» تحدث في العراق وفي فلسطين، فإن ذلك يطيل أمد الحوادث السلبية في بقية أنحاء العالم.
العوائق أمام الاجتهاد متعددة وصعبة. تظهر دراسة أولية أن العالم الإسلامي سيبقى منقسماً عن من يجب أن يملك السلطة لتطبيق الاجتهاد وما مدى التغيير المسموح به. لا يوجد تنظيم هرمي في السنة، فرع الإسلام الذي يسيطر على العالم الإسلامي، كما هو الحال في الشيعة.
إلا أن الاعتقاد مازال قائماً بأنه مع الوقت والجهد والتعليم ستتم إعادة استخدام الاجتهاد، ما يسمح بتغييرات مهمة بالحدوث.
من العوائق الأخرى أن إصلاح القوانين الإسلامية اختلط تاريخياً مع انتقاد الإسلام نفسه. المتعصبون من المسلمين، وفي أوقات مختلفة وصموا الذين حاولوا إدخال إصلاحات بعديمي الإيمان. كما صدرت الفتاوى ضد المصلحين المحتملين وحكمت عليهم أحياناً بالموت، هذا العائق حقيقي وسيتطلب من المسلمين أن يروا الفرق بين انتقاد الإسلام بهدف تدميره وإصلاح القانون الإسلامي بهدف بناء المسلمين ومجتمعاتهم. وإذا بقيت أبواب الاجتهاد مغلقة واستمر الإسلام السياسي في الصعود فإن ذلك سيؤدي إلى انقسام أعظم بين المسلم العادي والمتطرف، وكذلك بين الإسلام والغرب، وهذا سيوسع النزاع القائم ويحوله إلى «صدام الحضارات» سيئ الذكر؛ ما ستكون له تداعيات عنيفة على المسلمين في كل مكان، وخصوصاً هؤلاء الذين يعيشون في الغرب.
ملاحظة: كلود صالحاني محرر دولي ومحلل سياسي مع الـ «يونايتد برس إنترناشيونال» في واشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومون غراوند»
العدد 1323 - الخميس 20 أبريل 2006م الموافق 21 ربيع الاول 1427هـ