العدد 1323 - الخميس 20 أبريل 2006م الموافق 21 ربيع الاول 1427هـ

زلة لسان... معلّم

حسن جوهر comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تصريحات الرئيس المصري بشأن الطعن المباشر والصريح في ولاء الشيعة «كل الشيعة» لبلدانهم لا يمكن اعتبارها وفق جميع مقاييس الخبرة السياسية أو معطيات المرحلة وإرهاصات الواقع الإقليمي والعالمي مجرد «زلة لسان»، بل على العكس تماماً، تلك التصريحات يمكن وصفها بـ «زلة لسان... معلّم». ليس فقط بسبب توقيته الدقيق في ذكرى سقوط أحد رموز الطغيان وتحرير العراق أو بخروج تلك التصريحات بتلقائية تعبر عن رصيد متكامل من مواقف الرئيس المصري وتحركاته وتصريحاته الصحافية والإعلامية منذ انطلاقة حرب تحرير العراق.

لقد وضع حسني مبارك من خلال ضربه تحت الحزام إطاراً جديداً لاستراتيجية مستقبلية ستكشف الأيام سياقه الفكري وأدواته السياسية وبرنامج عمله الميداني بتنسيق إقليمي ومباركة دولية، ولست استدل على هذا الرهان بأكثر من ردود الفعل التي جاءت مكملة لمقاصد الرئيس المصري وتهيئة الشارع الاسلامي والعربي تحديداً لتعبئة طائفية وتسويق هذا الحس للمرحلة الجديدة. فمهما تكن المحاولات الرامية إلى تبرير أو تهدئة وقع هذا الانفجار السياسي من الوزن الثقيل إلا أن الرسالة وصلت إلى جميع الاطراف، وأعطي الضوء الأخضر للتحرك الجديد.

ولا نستغرب أن تتسم محاولات التبرير الرسمي المصري على لسان المستشار السياسي للرئيس بالغباء والسذاجة في تحوير مفهوم الولاء للعتبات المقدسة للشيعة في إيران، إذ إن هذا المعيار للولاء يضع أولوية القدسية المكانية لأتباع أهل البيت (ع) في قلب المملكة العربية السعودية التي تحتضن المدينة المنورة الجسد الطاهر لرسول الله (ص) وابنته الزهراء (ع) والأئمة الأطهار الحسن والسجاد ومحمد الباقر وجعفر الصادق، ومن بعدها تأتي أرض العراق التي تزخر بمراقد ستة من أئمة المسلمين بدءاً من الإمام علي والحسين والكاظم والجواد والعسكريين... مقابل المرقد الوحيد للامام الرضا في خراسان الإيرانية!

المفارقة العجيبة أن تأتي التبريرات السياسية في وقت متزامن من بعض رموز الفكر الإسلامي وقيادات الأحزاب الدينية، وخصوصاً السنية ذات التوجه المعتدل، وهي توجهات طالما عملت في اطار تعزيز الوحدة الاسلامية والتقارب الطائفي على مدى عقود ثلاثة، في سعي مفاجئ ليس فقط لتبرئة ساحة الرئيس المصري، بل لاستمالته بغزل سياسي جديد بدأت بعض ثماره إثر الإفراج الفوري عن آلاف المعتقلين من الاسلاميين في السجون المصرية على مدى ثلاثين سنة، بل ان بعض رموز الفكر الديني والقيادات السياسية والحركية هم من فرشوا الأرضية المناسبة لتصريحات الرئيس من خلال الطرح الطائفي العنيف، وخصوصاً بعد الانتخابات العراقية الاخيرة، وكان الأجدر بهذه الرموز ان ترفض طعن وتجريح الرئيس المصري لملايين الشيعة من العرب كأفضل ضمان، والتعبير عن حسن النوايا بين المسلمين وليس مباركة أو محاولة التهرب من كشف نتائجه باستحياء شديد كما كان حالها إزاء العمليات الإرهابية المتواصلة في العراق.

إن تصريحات الرئيس المصري، والانقلاب الكبير في مواقف بعض القيادات العربية واللغة الجديدة لرموز الأحزاب الدينية بدأت تنسج برنامجاً جديداً قوامه التحالف الاستراتيجي وتوزيع الأدوار لمرحلة جديدة، ورسم الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وهذا التناغم الوليد يتمحور حول النقاط الآتية:

أولا: الحسرة على سقوط نظام صدام حسين وخسارة مركز قوة إقليمية ضاربة، فعلى رغم كفر النظام البعثي ومحاربته للدين صراحة، أصبح اليوم رصيدا للحكم السني المأسوف على زواله، فمن جهة يتباكى البعض على ارث صدام بالترويج بأن العهد البائد كان أفضل للعراق والمنطقة من الوضع الراهن! ولا يتردد بعض الرموز من اتهام كل من ساند في حرب تحرير العراق وفي مقدمتهم الحكومة الكويتية بأنهم ساهموا في إسقاط الحكم السني الذي سيطر على العراق لما يزيد على ألف سنة.

ثانيا: المحاولات المستميتة لعدم قيام منظومة حكم سياسي في العراق يقوم على معطيات الواقع ويعكس التركيبة السكانية. وجليّاً كان الموقف الاقليمي لتعطيل عجلة الانتخابات ومساعي تعطيلها، والذي كان الرئيس المصري مهندس تحركها الدبلوماسي والميداني. وما أن انفرطت تلك الجهود حتى بدأ التلويح والتصريح واللعب بورقة الطائفية لعزل الحكم العراقي الجديد عن امتداده العربي والسلاح الوحيد الذي يمكن أن يروج له في هذه المرحلة هو الولاء السياسي، لأن عروبة شيعة العراق ستسحب البساط من تحت من يحاول العزف على وتر القومية هذه المرة، ولكي يضرب عصفورين بحجر كان كلام مبارك متعمداً بالتعميم على كل شيعة المنطقة كون الغالبية العظمى منهم في الخليج، وخصوصا في الجزيرة العربية من الجذور العربية الأصيلة وقبائلها المعروفة.

ثالثا: ان ما يحاول الترويج له كمقاومة عراقية يثير الكثير من الأسئلة التي لا يمكن تفسيرها إلا من خلال منطق التحالف الجديد بين قيادات سياسية واحزاب دينية، فمن جهة يجمع قطبا هذا التحالف على حصر المقاومة بالعرب السنة الذين يشكلون 10 في المئة من التركيبة السكانية، واذا سلمنا بالتعاطف الكامل للعرب السنة للهجمات على حرب الاستنزاف على رغم اقرار الكثير من الاحزاب السنية بالواقع الجديد ومحاكاته للعملية السياسية قد تتراجع هذه النسبة إلى 5 في المئة على أعلى التقديرات. ولكن ما يثير العجب أن هذه الفئة القليلة تمتلك قوة عسكرية واستخباراتية وتمويلاً سخيّاً ودعما وغطاء سياسيين، بقيادة ميدانية غير عراقية ومقاتلين من عموم البلاد العربية، بما لا يدع مجالا للشك في أنها تملك شبكة تنسيق كاملة من حكومات وأحزاب عربية قد لا يجمعها سوى الفزعة الطائفية.

رابعاً: كانت تصريحات مبارك ضربة معلم لجر إيران إقليميا وخصوصا إلى العمق العربي، ووضعها في المعادلة الأميركية الضاغطة بقوة باتجاه الاصلاحات السياسية، فعلى رغم حال العداء الاميركية - الايرانية فإن اقحامها في خريطة الاصلاحات الديمقراطية سيخفف الضغط المستمر على الكثير من القيادات العربية الرافضة لمبدأ المشاركة الشعبية، وفي مقدمة ذلك مصر، إذ استشعر مبارك مدى خطورة المد الديمقراطي القادم بعد تنامي انتفاضة «كفاية» ومفاجأة الاخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة، والتي ان استمرت فما من شك ستعصف بالحزب الحاكم قريباً جدّاً. ولهذا فإن رسالة مبارك للاميركيين تنذر بأن الديمقراطية في المنطقة العربية ستعزز النفوذ الإيراني من خلال شيعة المنطقة، وخير دليل انتخابات العراق الاخيرة.

وتبقى في جميع الاحوال محاذير هذا التأجيج الطائفي وإعلانها صراحة عن بعد من قبل الرئيس المصري وغيره من الزعامات العربية التي تصارع أمواج التغيير العاصفة تحوم حول منطقة الخليج العربي تحديدا، وتغذي شرور الفتن وروح الانشقاق بين أبنائها الذين عاشوا بسلام ووئام ليس فقط خلال سني النفط ورغد الحياة، بل عبر مئات السنين من شظف العيش ومرارة صحاريها الحارقة وندرة مواردها... كان خلالها الحب والتكاتف والمصير المشترك سر بقائهم ونجاحهم... فهل من معتبر؟!

نائب كويتي

العدد 1323 - الخميس 20 أبريل 2006م الموافق 21 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً