التعميم في الحكم بالسلب أو الإيجاب على أي شعب أو حكومة أو معارضة أو طائفة أو عرق، هو أسلوب خاطئ، ففي كل هؤلاء يوجد الخيّرون، ويوجد السيئون. ولا يمكن أن تضع الجميع في سلّة واحدة وتلقي عليهم الرصاص وتحكم عليهم بالأحكام الشاقة أو المؤبّدة. في كل مجتمع أو سلطة أو معارضة أو حزب، توجد خطوط، وفي الخطوط خطوط. هناك تفاوت في الثقافة والوعي وكل شخص يختلف عن الآخر في التكوين النفسي والفكري وهكذا.
هناك من المثقفين مَنْ يتوحّم على لحم الحرية ويزداد فرحا إذا وجد لحم الصحافيين مفروما ومنثورا بين أسنان المحاكم والمخافر، وأمنيته في الحياة أن يطلق الرصاص على قلب الصحافة، ويجد عصافيرها الكتّاب محكوما عليهم بالسجن أو يجرجرون إلى المشانق. قانون تنظيم الصحافة يجب ألا يكون زنزانة انفرادية تلقى فيها شفاه المفكرين وأصابعهم المبتورة. إن أجمل قيمة للديمقراطية البحرينية هي الحرية الصحافية المعتدلة والمتوازنة. ويجب على النواب أن يقروا قانونا يجرّم حبس الصحافي كما أقر قانون الصحافة في الكويت قبل أشهر. جمال البحرين في تعدديتها الفكرية والثقافية والسياسية، فيجب عدم فرض المنهج الأحادي الذي يفرض نمطا واحدا في البلاد، فالكاتب لا يحتاج إلى شهادة تأمين على كتاباته وغير ملزم بتركيب غلاف مصفح ضد النقد، ويجب أن يعمل مثلما عمل محمد عبده في تنظيف الأزهر مماعلق به، وكما فعل محمد علي من حكم مدني في مصر، وكما نظر رفاعة الطهطاوي في تحديث المجتمع بلا إلغاء للدين.
وميزة المجتمع البحريني هو اعتداله وتمسكه بالأصالة التي لا تلغي العصرنة، وهنا تأتي جدلية السلطة والكهنوت، التي تناقش فكريا من قبل المفكرين والفلاسفة، وقد ناقشها قادة الفكر سابقا مثل: سقراط وأفلاطون وبرونو وبيكون وديكارت وباسكان وجون لوك وكانت، فإذاً لابدّ من مغامرات للعقل لتجديد بناه الفكرية وفرض منطق الإقناع بدلا من هيمنة منطق الإخضاع. حتى على مستوى السياسة كلما زادت الحرية السياسية زادت قيمة الحياة وابتعدنا عن الوثنية السياسية وعملية تصنيم المجتمع، فان النقد صابون القلوب. كان أحد قادة الشيوعيين وأظنه لينين، يقول: «إن موت ثلاثة أرباع الشعب الروسي ليس بشيء، انما المهم أن يصبح الربع الباقي منهم شيوعيين».
الدول الثورية أطعمت الناس شعارات وأماتتهم جوعى كما فعل صدّام وغيره. ان انتشار الاكسجين السياسي وحتى الديني يقرب الناس نحو حياة الرفاهية، لأنه ستخلق بيئة الإبداع، فيجب عدم خنق الأصوات الناقدة في الفكر والثقافة والسياسة وهي باقية منذ آلاف السنين، معركة بين السكاكين ورقاب العصافير،بين المخرز والعين الباصرة، بين المقص والأصابع، بين المسدس والزهرة. ورغم ذلك بقي فولتير الذي شرِّد سنين بين فرنسا وسويسرا وقضى معظم عمره في الغربة من أجل أفكاره، فهو ضحية الحكومة والمجتمع، وهو الذي اطلق شعار «اسحقوا العار»، وكلنا نذكر شعار مارتن لوثر كينغ: «أنا أمتلك حلما»، وحرر السود من آلام العنصرية. هل مدارسنا تدرس مقدمة ابن خلدون أو نهج البلاغة أو سيرة الأفغاني أو فلسفة ابن رشد؟ لهذا لا نتعجب أن الذين اكتشفوا عبقرية ابن خلدون ومقدمته هم الأوروبيون في القرن التاسع عشر. اننا يجب أن نطمح في صناعة بحريني يحمل ثقافة كونية خارجة من إطار الشرنقة القطرية أو الايديولوجية، فالانغلاق يقود إلى العجز الشامل والانقطاع عن العصر، مع مراعاة قيم الدين والمجتمع. يلخّص المفكر مالك بن نبي مظاهر التخلف في عدة أمور منها: تمزق شبكة العلاقات الاجتماعية، فالابن لا يرحم الأب والأخ يخاصم أخاه بسبب المال وتسمى اجتماعيا بالأمن الاجتماعي؛ فوضى الأشياء والأفكار؛ اللافاعلية؛ فقدان التوازن الاجتماعي؛ الحرمان الاجتماعي. وعلى ذكر الحرمان الاجتماعي لابدّ من توضيح نقطة في غاية الأهمية، وهي مأساة البحرينيين المؤذنين، فالكثير منهم اتصلوا بي لتسليط الضوء على قضيتهم، فبعضهم بعد الموافقة على توظيفهم قاموا بترك أعمالهم السابقة والتحقوا بالوظيفة، إلا أن قسما منهم وهم ممن لم يصلوا إلى مرحلة الإعدادية من التعليم سيتم التعاطي معهم بنظام المكافأة الشهرية وليس الراتب الرسمي، وإذا ثبت ذلك فهو أسلوب لامنطقي، والأوقاف مطالبة بنقاش ديوان الخدمة المدنية فهؤلاء تركوا أعمالهم لأجل وظيفة حكومية، إضافة إلى ذلك بنظام المكافأة ليس لهم أن يحصلوا على قروض. يقول القدّيس اوغسطينوس: «جميل أن يعطى الجائع خبزا، وأجمل منه أن لا يكون ثمة جائع
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1322 - الأربعاء 19 أبريل 2006م الموافق 20 ربيع الاول 1427هـ