في هذه الأيام ابتدأ الرأي العام البحريني يتجه إلى التعاطف مع مالك البانوش (الدانة)... رجل الأعمال الذي تم توقيفه على ذمة التحقيق... وكذلك صرح سفير جمهورية الهند لدى مملكة البحرين بأنه قد تلقى وعوداً من السلطات العليا بأن لا ينحاز التحقيق ضد قبطان البانوش الهندي الجنسية ويتم تحميله الذنب كاملاً...
كذلك نشرت الصحف بالأمس مطالبة النيابة العامة للتحقيق مع الشخص الإنجليزي الجنسية، والذي أجبر قبطان السفينة على الإبحار بعدما رفض ذلك على أساس أن الحمولة زائدة عن الحد الذي يتحمله البانوش (الدانة)... وتكلمت الصحف عن مغادرة هذا الشخص للبحرين وتوجهه إلى بلده الأصلي...
طبعاً الكلام يكثر في هذه الأيام... وكل يدلي بدلوه ويكتب الكلمات المعبرة من أجل الإفراج عن صاحب البانوش الذي تحتجزه النيابة، والجميع يكرر القول الشهير (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، والذي دائماً ما يطبق في البلدان المتقدمة التي يكون المواطن فيها له الكثير من الحقوق... مثلما عليه واجبات...
الذي يراقب كلام وأفعال الناس في بلادي يعرف بأنها تتعاطف مع مالك البانوش ليس لأنه لا تجب مساءلته في الكارثة التي حدثت... وإنما لأنه الوحيد المساءل ضمن مجموعة لا تقل عن أربعة إلى خمسة أشخاص آخرين... ولو كان هؤلاء الذين ربما تسببوا معه في الكارثة موجودين معه في المساءلة لما خرجت هذه الكمية الكبيرة من حملة الأقلام والأقارب والأصحاب المطالبين بالإفراج عنه...
لنأخذ الموضوع من بدايته ونرى أين وقع الخطأ الذي أودى بحياة هذه المجموعة من الأجانب الذين يعملون في مشروعات بحرينية... أولاً وبكل تأكيد فإن النيابة العامة ترى بأن مالك البانوش يتحمل جزءاً من المسئولية لأن البانوش سياحي ويحمل أناساً ويبحر بهم من دون أن يقوم المالك بالتأمين الشامل على السفينة والركاب... ولأنه أيضاً وظف شخصاً (فري فيزة) وليست لديه الكفاءة الكافية لقيادة السفينة...
القانون صريح في توظيف الأجانب في مملكة البحرين وهو لا يسمح بإعطاء وظيفة لشخص أجنبي ليس على كفالة صاحب العمل، فما بالك بوظيفة ربان مسئول عن أرواح العشرات من البشر، ويأخذهم في رحلة إلى وسط البحر وهو غير مؤهل بالأصل لقيادة هذه السفينة... ولو كان مؤهلاً ولديه خبرة جيدة لما وافق على الإنصياع لأوامر الشخص البريطاني الذي يقول إنه أجبره على الإبحار وهو يعلم بالخطر...
ثانياً وإذا نحن قررنا بأن القبطان الذي تسبب في الكارثة من الممكن أن يكون مساءلاً فلابد وأن يحضر معه في المساءلة كفيله الذي أحضره إلى البحرين ثم أطلقه لكي يعمل ويدفع له المقسوم شهرياً أو سنوياً... حاله حال العمالة السائبة والتي تتوافر بكثرة عند الموانئ ومواقف السيارات ولا نعلم من الذي أحضرها... ولو حضر هذا الكفيل مع القبطان في زنزانة التوقيف نفسها لخففنا العبء على مالك السفينة...
بعد ذلك يجدر بنا أن ندقق في المستندات التي عرضها المحامي المسئول عن الدفاع والموكل من قبل مالك السفينة... وهذه المستندات مهمة جداً وتبين أن السفينة (بانوش الدانة) لديها شهادة تسجيل صادرة من إدارة السجل التجاري... والسؤال المطروح هو كيف تم إصدار تسجيل لسفينة من دون أن تكون مؤمنة (حتى لو كانت تستخدم كمطعم عائم فقط) كيف؟ وألا يفترض أن يكون الشخص الذي أصدر الترخيص لسفينة غير مؤمنة مسئولاً عن الكارثة وموجوداً في مكان تواجد المالك الآن؟
المستند الثاني كان صادراً من وزارة الإعلام ويبين أن البانوش مرخص له بأخذ سياح والقيام بالرحلات البحرية، ومع أن الشخص الذي أقيم حفل الافتتاح والتدشين برعايته لديه الكثير من الخبرة البحرية إلا أنه لم يلاحظ أن الترخيص كان قد صدر لسفينة غير مؤهلة للإبحار كلياً... لا شكلاً ولا هيكلاً... والسؤال المطروح هو: أليست وزارة الإعلام مساءلة في هذا الترخيص أم هي معفية من المساءلة؟
المستند الثالث صادر من إدارة خفر السواحل... وهو يبين أن السفينة (البانوش) مسجلة لديهم مع كامل حمولتها... إضافة إلى أنهم يقرأون الإعلانات التي توضع في الصحف المحلية عن الرحلات البحرية التي يقوم بها البانوش... وهم أيضاً يشاهدون البانوش وهو يبحر لأن طريقه يمر على قاعدتهم الرئيسية في المحرق، كما وأنه يحمل الركاب من مكان لا يبعد عنهم سوى عدة أمتار... فكيف يكونون غير مساءلين في قضية كبيرة كهذه؟ وهل من المعقول أن يترك الحمل فقط على المالك ويتم توقيفه بينما الآخرون خارج التوقيف؟
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ