لابد أن نعلم الناس فضيلة النقد، فالنقد الحضاري يزيدنا قوة أكنا سلطة أو معارضة، لكن شريطة الإنصاف في النقد، فنقر بالايجابيات وننتقد السلبيات من دون أن نحتاج إلى شهادة تأمين من أحد، أو إلى طوق نجاة ونحن نسبح في هذا العالم المطحون بالتناقضات والمفارقات. إيقاد الحرائق في أي بيت سياسي أو ثقافي أو اجتماعي من شأنه أن يخرب كل الديكور ويجعل الجميع يهربون خارج القاعة إلى أن يهدم الجدار على الجميع. نحن بحاجة إلى نبذ العنف ونرسخ الأساليب السلمية، والعنف له صور منها العنف السياسي والعنف الإداري وهو القائم على المحسوبية الخ؟ لكن فوق كل ذلك لابد من تعلم منهج اللاعنف الذي اتخذه غاندي وسيلة للتعاطي مع الحياة. لابد ان نتعلم وسائل رسائل السلام فيما بيننا وكيف نكسب بعضنا بعضا، فالحكومة تكسب الناس بضخ مزيد من المال لانعاش المواطنين على مستوى الراتب أو السكن، وأقول هنا السكن، ذلك لأنه أصبح من الامور المؤرقة للمواطنين. اعتقد أن فتح السوق العقارية لتملك اخواننا الخليجيين جعل البحريني يحشر في زاوية الضياع والاحباط من تملك قطعة أرض يبني عليها عشه الصغير، وارتفعت سوق العقارات إلى صورة جنونية والمواطن عليه أن يبحث عن رئة يتنفس منها أو يتكدس هو وابناؤه محشورا في زاوية ضيقة في بيت ابيه.
كل الثغرات لا تحل عبر الخطب القابلة للاشتعال كأعواد الكبريت، ولا بذرف العبرات على ألم الواقع أو بجلد الذات، وإنما بالمشاركة الايجابية عن طريق الصحافة والبرلمان والنقابات وكل مواقع التأثير كي نعمل على تنشيط الواقع حداثيا وتحديثا وتنمية وتطورا. ليس صحيحا أن أبكي خلف النافذة وكان بإمكاني أن أكون في قلب الحدث. العنف يعني تعطيل العقل واشتعال العلاقة التي أردنا لها أن تنمو في فضاء ديمقراطي وليد يحتاج إلى بناء ومناخ ومحيط مليء بالتفاؤل والايجابية. إن من الضرورة أن نقرأ تاريخ المجتمعات التي كانت تركز على خلق ثقافة الحياة وثقافة النقد السلمي الذي يقود إلى حيث تحول المجتمعات إلى مجتمعات منتجة ذات عقول استراتيجية تقودهم إلى حيث التطوير الفكري والانماء الاقتصادي والتحديث المدني. غاندي يذكر في مذكراته «قصة تجاربي مع الحقيقة» عن سر تحوله إلى أخذ المجتمع الهندي إلى حيث الحياة من موقف كبير: ذات ليلة امتطى غاندي القطار في جنوب إفريقيا سرعان ما رأى نفسه ملقىً خارج القطار، لأنه تجرأ على ركوب الدرجة الأولى المخصصة للبيض، وبقي ليلته في البرد يتأمل ذاك الظلم الانساني وراح يفكر في طريقة لترسيخ العدالة بين البشر. غاندي هو القائد الذي تخلص من الملابس البريطانية باستخدام المغزل أو بمسيرة الملح لكسر احتكار بريطانيا له. وهو أيضا القائد الذي وقف ضد الطائفية العمياء بين المسلمين والهندوس بإضرابه عن الطعام. في العراق بحاجة إلى غاندي مسلم يوقف العنف والفتنة الطائفية. مهما اختلفنا كحكومات وشعوب لابد ان نلتجئ إلى الأساليب الحضارية من التعاطي السلمي بعيدا عن لغة العنف. وفضيلة السلم السياسي والثقافي والاجتماعي يحتاج إلى ان يدرس في المؤسسات التعليمية بموازاة المواطنة كقيمة موجودة في منظومتنا الاخلاقية والوطنية. ان كندا استقلت بلا قطرة دم. وأجمل بني البشر قادوا مجتمعاتهم بعيدا عن العنف. إنا لو رددنا كل صباح آية الحب والسلام لاطفالنا: إذ قال الاول: لاقتلنك وقال الثاني: «لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين» (المائدة: 28)، أقول: لو رددنا ذلك على أطفالنا لما رأينا مساجد أو كنائس تفجر ظلما وعدوانا.
عوداً على بدء اقول: في البحرين بحاجة إلى أساليب المجتمع المدني السلمية لانعاش المواطنين اقتصاديا، وإلى تفهم ضرورة حماية الدولة للمواطن بالنسبة إلى جنونية ارتفاع الأراضي بسبب فتح السوق وإلى ضخ المزيد من المشروعات الخدماتية وبامكان الدولة شراء الكثير من الاراضي الوقفية وبناء مساكن للمواطنين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ