ضمن الاحتفالات التي شهدتها البلاد بأسبوع الوحدة الاسلامية، نظّمت البلاد القديم أمسيةً جميلةً في الهواء الطلق مساء الخميس الماضي، تضمنت عدداً من الفعاليات الدينية والخطب والشعر. واختتمت الفعالية بعرض مسرحية شعبية، قدمتها فرقة «الرسالة المحمدية»، وهي واحدة من تلك الفرق الصغيرة التي أخذت تنتشر في الأعوام الأخيرة مع أجواء الانفتاح السياسي. الفرقة تعمل كما عرفت منذ ثلاث سنوات، وتقدّم مسرحيتين مع ثلاثة أو أربعة عروض قصيرة (اسكتشات)، في العام. وهو ما يدل على نشاط وحيوية، في ظل ركود مسرحي ملحوظ.
فكرة المسرحية قائمة على عرض «فانتازي»، يتناول القضايا الساخنة التي تهم المواطن البحريني بلغةٍ بسيطةٍ ومباشرة. الخلفية قهوة شعبية، أكثر مرتاديها من الطبقات الفقيرة لتناول الشاي وما شابه، كبقية قهاوي الأرض. إلا ان مالكها لا يهتم بالمستوى الصحي، فيهدّده الرواد برفع شكوى لوزارة الصحة بما يهدّد بإغلاق قهوته وقطع رزقه، فيتودّدهم للتراجع عن ذلك بشرط أن يهتم بالنظافة. ويبدأ مباشرةً بتنظيف «غوري الشاي»، وفجأةً يخرج المارد على المسرح ويصيح «شبيك لبيك... كل العالم بين يديك!». (اكتشفت في الحديث مع المخرج أن الممثل فاجأ الجميع بالخروج على النص، عن طريق إحضاره «مقشرة» لتنظيف الغوري!).
وبعد موجةٍ من الخوف الجماعي من المارد البشع، يتقدّم أحدهم طالباً منه أن يحقق أمله برفع راتبه من 150 إلى 180 ديناراً، فيقهقه المارد قائلاً: «ها ها ها... إذا ما عندك واسطة مش بوزك!»
يتقدم الثاني طالباً التوسط لدى وزارة الإسكان، ليس لتحقيق طلبه بالحصول على منزل، وإنما فقط لتقديم الطلب سنةً أو سنتين، إذ لا يلوح في الأفق أي أمل بعد انتظار خمسة عشر عاما! فيقهقه المارد: «ها ها ها... إذا ما عندك واسطة مش بوزك».
الممثلون (القادمون من جزيرة سترة وهم من الطبقة الكادحة)، طالب أحدهم المارد بنقل المصانع الملوثة للبيئة من المناطق المبتلاة بالتلوث والأمراض الخبيثة، فقهقه المارد قائلا: «نقل المنازل كلها في طرفة عين أسهل علي من نقل المصانع من المعامير»!
الرابع كان سياسياً، فطالب بالإصلاح عن طريق إعادة دستور 73، باعتباره أفضل تمثيلاً للشعب من الدستور الجديد حسب وجهة نظره، فقهقه المارد مرةً أخرى: «ها ها ها... إعادة القدس أسهل عليّ من إعادة دستور 73 لشعب البحرين!»
وأخيراً... يتقدم آسيويٌ نحو المارد، وسط سخرية الآخرين، فالذي عجز عن تحقيق شيء للمواطنين، كيف سيحقق شيئاً لشخص أجنبي وفد على البحرين منذ سبعة أشهر. وكان طلبه بسيطاً: أن يحصل فقط على جواز بحريني! فما كان من المارد إلا أن قهقه عالياً، وأفرغ عليه مجموعة من الجوازات الحمراء!
يقال ان الصحافة مرآة المجتمع، وفي ظلّ مناقشة مجلس النواب مشروعه العظيم: «حبس الصحافيين»، وزيادة التضييق على هامش الحرية، وتغلّب رؤيةٍ عامةٍ لدى الكثيرين، تحصر مهمة الصحافة في التطبيل والتزيين واستخدام مساحيق التجميل، يقوم المسرح الشعبي البسيط، بإمكاناته المتواضعة، وتلقائيته، بإيصال الرسالة التي تعجز عن إيصالها الصحافة، ليعرف الجميع كيف يعيش ويفكّر شعب البحرين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ