العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ

ماذا نفعل وسط الوحوش النووية؟!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

قرأت يوم الجمعة الماضي، تصريحاً لافتاً لوزير خارجية مصر أحمد أبوالغيط، عن الأزمة النووية الإيرانية، وردود الفعل بشأنها عربياً ودولياً...

باختصار، قال أبوالغيط، وهو دبلوماسي محنك: «إن مصر لن تقبل بوجود قوة نووية عسكرية في المنطقة».

والكلام موجه إلى إيران طبعاً، التي فاجأت العالم كله، وخصوصاً أجهزة المخابرات الأميركية والأوروبية، بأنها نجحت فعلاً في تخصيب اليورانيوم، أنها بدأت الطريق الذي لن تتراجع عنه، وأنها أصبحت فعلاً قوة نووية عظمى، تشكل العضو الثامن في النادي النووي الدولي، كما أعلن رئيسها محمود أحمدي نجاد.

ولقد فهمت من تصريح الوزير أبوالغيط الهدف، لكني لم أفهم المغزى بعد، فالهدف هو ببساطة التعبير عن القلق المصري والعربي الرسمي الشديد، من تحول إيران إلى قوة نووية، تطل عبر الخليج على دول مجلس التعاون الست، صاحبة المخزون النفطي الأعلى في العالم، وتجاور العراق بحدود طويلة، وتلتحم بجمهوريات آسيا الوسطى، وبعضها نووي مثل كازاخستان، وتصبح لاعباً رئيسياً في الساحة العربية كلها...

وربما تكون الحكومات العربية هي الأكثر توجساً وقلقاً من التحولات الإيرانية هذه، وهو توجس وقلق بعضه حقيقي وطبيعي، وبعضه الآخر، مستورد من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، اللذين يخوضان حرباً إعلامية سياسية نفسية، لعرقلة المشروع النووي الإيراني، حتى لا يصبح منافساً لهما أو لغيرهما... غير أن كثيرين يعتقدون أن هذا القلق المتعاظم لا وجود له عند الشعوب العربية والإسلامية، التي تحلم بأن يكون السلاح النووي الإيراني معادلاً ورادعاً، على الأقل للسلاح الإسرائيلي!

أما الذي لم أفهمه من مغزى هذا التصريح الآن، فهو إلى من يوجه التحذير، أو الإنذار المانع القاطع، وما هو «السلاح» الباتر الذي تستطيع به مصر ألا تسمح أو لا تقبل بوجود قوة نووية في المنطقة. ولماذا لا يقال الشيء نفسه عن الترسانة النووية الإسرائيلية، التي يقع أهم مفاعل نووي فيها (ديمونة) على بعد كيلومترات قليلة جداً من الحدود الشرقية المصرية، وماذا فعلت مصر لمجابهة هذه الترسانة الأكثر خطورة على أمنها، طوال العقود الماضية، بعد أن أوقفت برامجها النووية، وخضعت للتفتيش الدولي، والتزمت بالمعاهدات والاتفاقات الدولية المعنية؟!

بصراحة شديدة ان مصر والدول العربية الأخرى، لا تملك في هذه اللحظة، ما يمكن أن تسهم فيه بجدية في الأزمة النووية الإيرانية، حلاً أو تعقيداً، اللهم إلا الانحياز إلى هذا الطرف على حساب ذاك، وهو انحياز سياسي إعلامي في نهاية الأمر، أمام معركة تكسير العظام واختبار القوى الدائرة الآن، بين إيران من ناحية، والقوى الغربية صاحبة مجلس الأمن والمهيمنة على الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ناحية أخرى.

واختبار القوى هذا له عدة سيناريوهات، بعد أن نجحت إيران في التخصيب، والمرور من عنق الزجاجة بقدرات ذاتية وبمساعدات خارجية، وبعد أن مارست سياسة الغموض النووي، التي ابتدعتها «إسرائيل»، ومارستها كل من باكستان والهند، حتى تم الإنجاز المفاجئ للعالم!

أبرز السيناريوهات، هو أن تندفع أميركا بحماقة القوة، وتشن قصفاً جوياً مدمراً ومستمراً على الأهداف النووية الإيرانية، لإجهاض ما تم، كما سبق أن فعلت «إسرائيل» بالمفاعل النووي العراقي في مطلع الثمانينات، وهناك تقارير استخباراتية نشرت حديثاً في الصحف الأميركية، تقول إن أميركا تستطيع أن تشن هجوماً مفاجئاً بنحو 600 صاروخ كروز في المرحلة الأولى، ترتفع إلى 2500 صاروخ في المرحلة الثانية، إضافة إلى استخدام صواريخ بعيدة المدى عابرة للقارات، وطائرات مسلحة بقذائف نووية تنطلق من قواعد وتسهيلات وسفن في منطقة الخليج، ومن الدول القريبة أو الملاصقة لإيران، والمؤكد كما تقول التقارير، إن «إسرائيل» ستلعب دوراً رئيسياً في هذه الهجمات، بواسطة طيرانها الحديث القادر على اختراق الأجواء العربية وصولاً إلى إيران، والعودة سالماً غانماً!

وأظن أن هذا هو السيناريو الأسوأ والأسخن، لأن إيران لن تتلقى الهجمات وهي مستسلمة، لكنها سترد، وردودها متعددة الأشكال والأساليب، يعرفها القاصي والداني، فأذرعها ستطول حتماً المصالح الحيوية والاستراتيجية الأميركية، في دول الخليج العربي، مثلما ستطول العراق، إذ ستستهدف نحو 150 ألف جندي أميركي وبريطاني، قد يصبحون رهائن لها... وفي كل الظروف فإنه سيناريو لحرب غير تقليدية، بل لحرب نووية خطيرة، تنعكس آثارها أول ما تنعكس على الأوضاع العربية الهشة المسالمة والمستسلمة!

أما السيناريو الثاني، فهو يرمي إلى تطبيق سياسة الحصار والاحتواء، التي طالما مارستها أميركا خلال العقود الأخيرة، تبدأ بزيادة ضغط الحملة السياسية النفسية على إيران إقليمياً ودولياً، وفرض الحصار الاقتصادي والتجاري عليها، وإجبار الدول المجاورة على قطع الروابط والعلاقات معها «كما فعلت مع العراق خلال سنوات الحصار»، واستصدار قرارات من مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى، لعزل إيران، ووضعها تحت التهديد الدائم، حتى تخضع أو على الأقل تلين على المدى البعيد، فتقبل بما هو مطلوب!

وهنا يبدأ السيناريو الثالث، ومعه تبدأ مفاوضات جدية مباشرة، أو غير مباشرة، تضمن عبرها إيران الاحتفاظ ببرنامج نووي سلمي تحت الرقابة والتفتيش الدولي، وتكسر بها أميركا والغرب الطموح الإيراني بامتلاك أسلحة نووية، توازن بها القوى مع القدرات النووية والعسكرية الأخرى، ولقد جربت أميركا طوال الأعوام الماضية، هذا السيناريو مع كوريا الشمالية، لكنها تعثرت ومازالت لأسباب عدة، أهمها أن كوريا الشمالية أصبحت تمتلك السلاح النووي فعلاً، وثانياً أنها تجد لها حليفاً قوياً على الحدود، هو الصين، يحميها من الجموح الأميركي، على عكس الوضع الإيراني!

ويبقى السيناريو الرابع، وهو الذي كان بدأ الحديث عنه فعلاً من قبل، ونعني فتح باب التفاوض والنقاش المباشر والعلني، بين أميركا المتورطة في العراق، وبين إيران صاحبة النفوذ والتأثير هناك. والهدف واضح طبعاً وهو محاولة استعانة أميركا بإيران «عضو محور الشر» لمساعدتها في الخروج الآمن من المستنقع الدموي العراقي.

وأظن أن مقايضة يمكن أن تحدث بين الطرفين، وربما تساعد على تليين المواقف الهجومية ووقف التصعيد، بعد إعلان إيران نجاحها في عملية التخصيب، وهي مقايضة إن نجحت فإنها تمثل اعترافاً أميركياً وأوروبياً بالدور الإقليمي لإيران، وفي الوقت نفسه تمثل إقصاءً للدور العربي في العراق، وهو إقصاء قائم من الناحية العملية، بصرف النظر عن التصريحات الدبلوماسية والرومانسية.

الآن... أعود إلى ما بدأت به، وهو التصريح القائل إن مصر لن تقبل بوجود قوة نووية عسكرية في المنطقة، وعلى رغم عدم فهمي لمغزاه، فإنني أتصور أن مصر ومجموعة الدول العربية الرئيسية، تستطيع أن تلعب دوراً حقيقياً في التركيز على الترسانة النووية الإسرائيلية، جنباً إلى جنب مع الإيرانية، فليس من المنطقي أن نتقزم أمام «إسرائيل» وهي مصدر الخطر الاستراتيجي، على الأمن القومي العربي، ونتعملق أمام إيران، لأنها بدأت الآن، بينما الأخرى بدأت منذ خمسة عقود، وأنتجت وراكمت، وصارت أسلحتها النووية مصوبة لكل عاصمة عربية... من دون صوت أو حتى صدى.

بقيت نقطة أخيرة، أعرف أنها شائكة في هذه الظروف بالذات، إذ إن نجاح إيران بهذا الإنجاز النووي، يفتح باب السباق النووي، أمام دول المنطقة، وخصوصاً الدول العربية الكبيرة والقادرة، فالأسلحة النووية تتراكم من حولنا، الترسانة النووية لحلف الأطلنطي في شمالنا، و«إسرائيل» في أعماق عمقنا، وها هي إيران على حدودنا، بينما تطل القوتان النوويتان الباكستانية والهندية، علينا من الشرق عبر بحر العرب.

كنا قرأنا في الماضي، عن مبدأ «الردع النووي» أو الردع بالتخويف، فماذا سنفعل في هذا المجال، لحماية أمتنا ومستقبل أوطاننا، بعد أن تكالبت علينا الوحوش النووية من كل حدب وصوب؟! هل لم تفكر مصر تحديداً، يوم إغلاقها الملف النووي في السبعينات من القرن الماضي، أن وضعاً حرجاً كالذي نحن فيه الآن يمكن أن يطرأ، فيضغط عليها وعلى كل العرب ضغطاً شديداً، من دون قدرة لا على الرد، ولا على قبول التحدي!

خير الكلام

قال المتنبي:

بذا قضتْ الأيامُ ما بين أهلها

مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً