يعتبر استئثار البعض أو الأقلية بالثروة في البحرين قضية ملحة، وذلك في ضوء ما كشفه جانب من تقرير شركة (سكدمور وينغر أند ميريل)، وهي الشركة التي تقود فريقا عالميا لإعداد المخطط الاستراتيجي الهيكلي لمملكة البحرين.
السيطرة على السواحل
باختصار نجح أصحاب النفوذ في بسط أيديهم على الأخضر واليابس في البلاد. جاء في التقرير أنه بمقدور الناس في البحرين الوصول إلى 3 في المئة فقط من السواحل (18 كم من أصل 600 كم). بالمقابل تم تحويل باقي السواحل إلى مشروعات عمرانية وأخرى سكنية. بمعنى آخر، تم حرمان المواطنين من الاستمتاع بالسواحل من أجل المادة. حقيقة لا تتوافر في البلاد فرص الاستمتاع بالحياة البحرية على رغم أن البحرين جزيرة تحيط بها المياه من كل حد وصوب. في المستقبل غير البعيد ربما لن يكون بمقدورنا أن ندعي بأن البحرين جزيرة.
استملاك الأراضي
من جانب آخر، أكد التقرير أن 90 في المئة من أراضي البحرين أصبحت مملوكة. حسب الأمين العام لجمعية العمل الوطني (وعد) إبراهيم شريف، منذ الاستقلال تمكن أصحاب النفوذ من نهب أكثر من 200 كيلومتر مربع من الأراضي تقدر قيمتها بنحو 24 مليار دينار (24 ألف مليون دينار). حدث كل ذلك في ظل غياب القانون.
حقيقة بات الوضع صعبا لعدد كبير من المواطنين لامتلاك عقار خاص بهم إذ انحصر أملهم في الحصول على مساعدة من بنك الإسكان. المشهور أن هناك أكثر 43 ألف طلب موجود لدى بنك الإسكان للحصول على مختلف الخدمات مثل امتلاك منزل وقرض شراء. يبقى لا نعرف ماذا يخبئه المستقبل للأجيال المقبلة في ضوء ظاهرة شح الأراضي. بالمقابل يدور حديث عن تشجيع المواطنين امتلاك شقق سكنية بدل منازل. لكن حتى هذه اللحظة لم يتم توفير المستلزمات الضرورية من القوانين فضلا عن تأصيل الثقافة المطلوبة لتسهيل قيام المواطنين بامتلاك شق سكنية.
أهلاً وسهلاً في البحرين
لاشك في أن مصلحة أصحاب الثروات تقتضي السماح (للأغنياء) من الأجانب بالتملك في البلاد لأن الأمر يعني ازدياد الطلب على الأراضي التي يمتلكونها الأمر الذي يوفر فرصة لارتفاع الأسعار وبالتالي جني الثمار. بدورنا نرى صواب السماح للأجانب بالتملك في البلاد، إذ إن من شأن ذلك جلب وبقاء الأموال داخل البلد. لكن يكمن مصدر الخطأ في عدم وضع ضوابط وشروط لمسألة استملاك الأجانب.
المعروف أن البحرين تمنح مواطني دول مجلس التعاون حق شراء وبيع العقارات على طول وعرض البلاد من دون قيود. بالمقابل نرى أن دولة كبيرة نسبيا مثل سلطنة عمان تضع شروطا وضوابط فيما يخص قدرة مواطني دول مجلس التعاون على بيع العقارات (تبلغ مساحة البحرين 718 كيلومتر مربع مقابل 212460 كيلومترا مربعا حجم عمان. تزيد مساحة عمان بنحو 296 مرة عن مساحة البحرين). فمن حق رعايا دول مجلس التعاون شراء العقارات في عمان لكن ليس من حقهم بيعها قبل مضي أربع سنوات على التملك (الخيار الآخر هو تحويل العقارات بأسماء مواطني سلطنة عمان والذين بمقدورهم شراء وبيع العقارات دون قيود تذكر). ولابد من تأكيد نقطة مهمة وهي أن دول المجلس غير ملزمة حتى هذا التاريخ بمنح حرية الحركة لعوامل الإنتاج بين الدول الأعضاء. فهذه الخاصية من صفات السوق المشتركة والتي بدورها لم تدخل حيز التنفيذ حتى هذا التاريخ. يذكر أن دول المجلس مرتبطة بمشروع الاتحاد الجمركي حتى العام 2007. وعلى هذا الأساس المطلوب من الدول الست تطبيق سياسة تجارية خارجية موحدة مع الدول غير الأعضاء. بيد أن السلطات في البحرين قررت منح مواطني دول المجلس حرية الحركة في البلاد في محاولة لتعزيز قدرتها التنافسية بين اقتصاديات دول المنطقة والتي بدورها تتمتع بثروات أكثر. كما يمكن تفهم عدم وضع قيود على التملك الخليجي حتى يتسنى تحقيق امتياز على باقي الدول الأعضاء. على كل حال كشفت تجربة البحرين (وتحديدا ارتفاع أسعار العقارات) في أن هناك تداعيات لا يمكن التغاضي عنها فيما يخص مسيرة التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون وتحديدا سلبيات منح رعايا الدول الأعضاء حرية الشراء والبيع دون قيود. نواصل حديثنا يوم غد الخميس لنسلط الأضواء على تداعيات ظاهرة استئثار الأقلية للثروة
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1321 - الثلثاء 18 أبريل 2006م الموافق 19 ربيع الاول 1427هـ