تشرشل كان يقول: «الديمقراطية نظام سيئ، لكنه أفضل الموجود». هذه هي الحقيقة، لا يوجد أجمل من انتشار أكسجين الحرية، وشيوع الرقابة، وذلك عبر بناء برلمان شعبي وحكومة متوازنة وقضاء عادل وجامعة مزدهرة وصحافة حرة. ان ذلك شيء مهم وهو الضمانة لتوفير الخبز. متى يتذكر الناس الديمقراطية؟ طبعاً كلما أغدقت عليهم قمحا وتينا وصبت عليهم عسل الوظائف وثمار المساكن، فالكيس الفارغ لا يعرف الاستقرار، والبطن الشبعان يشعر بالاطمئنان، ومن ثم ينفتح عالم الأفكار لديه.
يقول مصطفى أمين في كتابه «تحيا الديمقراطية»: «الديمقراطية لها عيوب، لكن من الممكن علاج كل هذه العيوب بديمقراطية أكثر». الديمقراطية السياسية مهمة، والديمقراطية الثقافية أهم، ولكن أ هم الجميع هي ديمقراطية الخبز. الناس اليوم في البحرين تسأل عضو البرلمان أسئلة تفوح منها رائحة الخبز، كم شخصا وظفت؟ كم عائلة ترافعت عنها وعن حقوقها؟ هل شرعت قانونا يحمي حقوق الفقراء؟ كان محمد الماغوط يصرخ في كتابه «سياف الزهور» مناديا بعض نواب برلمانه قائلاً: «ياحيتان الماضي وتماسيح المستقبل»، وكان عادل حمودة يروي قصصا عن نواب في مصر كانوا «بلطجية» يتاجرون حتى في الحشيش! نوابنا منزهون عن ذلك، لكنا نأمل من بعضهم الكف من الدخول في الحساسيات، فهي بمثابة «عش الدبابير». والأفضل التركيز على الوطنية وحب الوطن والوحدة الإسلامية.
إذاً الديمقراطية يجب أن تعلمنا كل هذه الفضائل. ويأتي السؤال المهم: كيف نستفيد من الديمقراطية البحرينية الوليدة؟ أولاً: يجب أن تتعلم السلطة والمجتمع والمعارضة على سعة الصدر، وتقبل الرأي الآخر، مادام النقد علميا موضوعيا ولم يخرج عن نطاق أدب الحوار، وأن نقوم بالنقد الموضوعي على طريقة غورباتشوف في بناء الذات عبر نقدها نقدا علميا لا بدويا متوحشا. الديمقراطية يجب أن تعلمنا احترام طبيعة المجتمع البحريني بأن نحترم مقدسات الأديان والمذاهب، لأن قدر البحرين وجمالية البحرين في وجود هذا المناخ الجميل ما بين المسجد والمأتم والكنيسة، ويجب احترام خصوصيتنا من دون استنساخ الانشطار الذي يحدث في العراق (بلاد ما بين النارين وليس النهرين) ولنعمل على وحدة العراق جغرافيا وإسلاميا وعروبيا. وبقاء العراق جميلا بفسيفسائه الجميل، بالسني والشيعي والكردي والاشوري إلخ، ولنستفد من أخطاء الشعوب، فالحرب الأهلية في إسبانيا بين فرانكو والشيوعيين التهمت 3 ملايين وقتل الإسباني، وفي تركيا تمت إبادة مليون أرمني. ولنحذر الشعارات البراقة ولنراهن على ترسيخ ثقافة التسامح والحب واحترام المقدسات بين المجتمع خصوصاً إذا اتت بيافطات تحضرية. في السياسة تختلط الأمور، يقول شمس الدين في كتابه القيم: «التطبيع بين ضرورات الأنظمة وخيارات الأمة»: «ان الخوارج رفعوا شعارا قرآنيا لا يختلف عليه مسلم (لاحكم إلا لله) ولكن الاشكالية في التطبيق، لهذا يجب إعادة تقييم تجارب الدولة العباسية والفاطمية، وكذلك الامبراطورية العثمانية وتقييم شعاراتهم. الشعوب الغربية لا تتورط الآن في الدماء ضد بعضها بعضاً، وليت المسلمين يقرأون وصية أحد رجال التاريخ الإسلامي، عندما أوصى أبناءه اثناء مماته قائلاً: «اياكم والدماء فإن الدماء لا تنام». نحن في منطقة عربية أصبح فيها دم الإنسان أرخص من عصير البندورة، وانظر للعراق ومصر. على رغم شطحات بعض كتابنا البحرينيين إلا أن قلعة التسامح البحرينية تبقى قلعة مصفحة ضد صدمات الخدش.
عودا على بدء أقول: الدولة قامت ببناء قرية نموذجية لأهالي قرية المقشع، وهذه الخطوة بلاشك أفرحت أهالي القرية وكان لها بالغ الأثر، فلو أن الدولة عملت على بناء قرى نموذجية أخرى في سترة والحجر والمحرق وجدحفص فإن ذلك سيخلق مناخا جميلا في البلاد وسيعزز من ديمقراطية الخبز، وعلى ذكر جدحفص فالمدينة مازالت تنتظر على أحر من الجمر انطلاقة المشروع الاسكاني لها وكذلك تدشين الحديقة، وتقدم شكرها للدولة على توسيع مركز جدحفص الصحي. إذا لننعم بالديمقراطية لابد من فتح النوافد واضاءة الانوار وتجديد هواء العقول وضخ المزيد من اكسجين الحرية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1320 - الإثنين 17 أبريل 2006م الموافق 18 ربيع الاول 1427هـ