العدد 1320 - الإثنين 17 أبريل 2006م الموافق 18 ربيع الاول 1427هـ

سنة وشيعة... عرب وعجم

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

موضوع التسليح النووي الإيراني وصراع الدولة الإيرانية مع العالم ملف، والعلاقات العربية مع جمهورية إيران الإسلامية ملف آخر، والحديث عن السنة والشيعة ملف ثالث مختلف تماماً عن الاثنين السابقين. وأي خلط بين الملفات الثلاثة، وخصوصاً من الجانب العربي، هو جهل أو تجاهل إن حسنت النوايا، أو هو عمل مدبر يراد به تأجيج المنطقة وكأنها تحتاج إلى «مفجر» آخر على كثرة الألغام المحيطة بها، والإصرار على تغطية الصراع السياسي بصراع مذهبي، عدا كونه مخاطرة، لا يقدم عليه إلا من في قلبه مرض.

التعميم أولاً في كل شيء خطأ، فليس هناك نظرية، حتى في العلم الحديث، تؤيد التعميم المطلق، أما إطلاق التصورات من دون أن تكون مبنية على حقائق أو على أسباب تحملها، فهو أمر مضر في حده الأدنى وخطير النتائج أن تعلق بالبشر، وخصوصاً إن كانت هذه التهيئات لها علاقة بإشاعة الكراهية بين المواطنين، ووضعهم في قفص اتهام من دون وجه حق.

في الملف الأول «احتمال تسلح إيران بأسلحة نووية» يقف العرب من دون قدرة عملية لا على إقناع إيران باتخاذ مسار آخر، ولا على إقناع القوى الدولية للنظر في الموضوع بغير ما تقرر هي ومؤسساتها، عدا أن العرب ليسوا على قلب واحد في هذا الملف الخطير، فمنهم من يرى من حيث المبدأ أو من حيث تعزيز التوازن في القدرات العسكرية مع «إسرائيل»، أن مثل هذا العمل (الحصول على المقدرة النووية) قد يعضد الموقف العربي المقاوم لكل الأطروحات المعروضة، وهي قليلة، من «إسرائيل». إلا أن من يعرف منهم حجم قدرته على التأثير في هذا الملف، ولو كان راغباً في الحصول على توازن ما، يعرف أنه محدود الإمكانات والوسائل.

ممثل حماس خالد مشعل في محاضرة له في طهران في زيارته قبل الأخيرة سئل عن مدى إمكان المساعدة الفلسطينية لو تعرضت منشآت إيران النووية لاعتداء إسرائيلي (وهو أحد السيناريوهات المطروحة)، فأجاب أن فلسطين بلد صغير لا تستطيع أن تقوم بالشيء الكثير في هذا الموضوع! وقبلها بعد أن هدد قبل أشهر السيد محمود نجاد بضرب «إسرائيل»، جاء تصريح من أحد المسئولين الفلسطينيين وقتها، بأن على إيران أن تساعد في «بناء فلسطين»، قبل أن تفكر في «خراب إسرائيل»، على رغم تواضع الإجابتين، وربما قربهما إلى الحقائق على الأرض، فإن المهم هنا الإشارة إلى التصريحين السابق واللاحق اللذين أدلى بهما ممثلان فلسطينيان، شاعا بسرعة عن طريق الرسائل التلفونية النقالة في طهران وبين الإيرانيين المتشككين أصلاً في أن ترفد العلاقة العربية/ الإيرانية بمصادر قوة للأخيرة، وهو دليل مادي على أن البعض في إيران يعرف خطورة المبالغة في «العون العربي» خارج التعاطف اللفظي! كما يعرف هذا البعض خطورة المبالغة في «القوة الإيرانية» التي تروج بدورها لثقافة الخوف في الغرب. وكلما زادت إشاعة الربط بين «القدرة النووية لإيران» و«القبلة الثانية» القدس، تزيد المتاجرة بالمخاوف الغربية. في الوقت الذي يعلم أي عاقل استحالة مثل ذلك الاستخدام عملاً، إذ تجاور «القدس» دمشق وبيروت وعمّان!

في الملف الثاني وهو العلاقة العربية الإيرانية، هناك موقفان أيضا أحدهما يرى أن التعاون اللصيق مع إيران يعطي مناعة للمواقف العربية المضادة للتدخل الغربي في المنطقة، والتي تفقد قدرتها الذاتية على الممانعة بسبب تفشي القمع، وآخرون يرون أن التدخل الواسع لإيران «الدولة» في المنطقة يسبب ضيقاً وحرجاً، بل يضيف إلى التصدع العربي المشهود عوامل تزيد من تصدعه.

عاملان يزيدان التخوف والحذر، الأول القرب الجغرافي، والثاني المقولات السياسية الإيرانية، فإيران دولة كبيرة مطلة على الخليج الذي يتوزع في دول صغيرة ومتوسطة، ولا قدرة لها، حتى جماعياً، على الوقوف أمام طموحات إيرانية إن قررت الأخيرة أن تنشط هذه الطموحات لسبب أو لآخر وباتجاه هدف أو آخر. إلا أن هذين الملفين يمكن أن يقودا إلى تصور لأسوأ سيناريو لهما، إذا أضيف ملف موضوع «السنة والشيعة»، هذا الملف ليس له علاقة لا بالملف النووي ولا بملف العلاقة مع إيران، هو تغطية واستخدام لا أكثر. والخلط للعامة في هذا الملف جائز وبسيط، فهناك لمن يعرف أن الشيعة في الغالب يتبعون مقلداً حيّاً في شئون فتواهم الروحية، وقد يكون هذا المقلد في الاحساء أو في البحرين أو النجف أو في قم أو في لبنان أو في غيرها من الأماكن التي يوجد فيها الشيعة، إلا أن هذا ليس له علاقة البتة بالهوى السياسي لهذه الفئة أو تلك، والشيعة مثل السنة مثل غيرهما من الطوائف الإسلامية لأفرادها أهوية سياسية مختلفة، بل وقد تكون متناقضة، ووضعهم جميعاً في سلة واحدة، عدا كونه غير موضوعي، هو تطرف مذموم يؤدي إلى اضطراب في علاقات المواطنة تستفيد منه فقط قوى الترصد، ويهيئ الأرض لقيم الكراهية الأهلية.

المواطنة شيء والعلاقة الروحية شيء آخر، فليس موافقاً للعقل إن قلنا أن الكاثوليك العرب يتبعون «سياسياً» مركز البابوية في روما، تلك مناكفة قد تنطلي على البعض من العامة، وبالقياس ليس من الحكمة ولا من الواقع القول إن «جميع» الشيعة العرب يتبعون إيران سياسياً، لعدد من الأسباب. فإن كانت إيران ترفع شعار تحرير فلسطين ومناصرة الفلسطينيين، فهو شعار تهوى إليه أفئدة كثير من العرب، بصرف النظر عن هويتهم المذهبية، مثلهم مع الفارق الكبير، مثل «حزام الإيمان» في الولايات المتحدة الذي يعتقد أن «إسرائيل»، هي ما ذكر في التوراة!

إلا أن السؤال الأهم؛ ترى من يستفيد من هذا الخلط الذي بدا وكأنه كرة ثلج في وسائل إعلامنا؟ لا جدال في أن المستفيد هم قوى التمزيق للنسيج الاجتماعي، وكأن قدرنا هو أن ننشغل في بعضنا أكثر مما ننشغل في فكرة بناء الأوطان. المواطنة هي فكرة أصيلة وحضارية، تحوطها الدول بعناية كبيرة وتؤكد على التعايش المشترك بين الفئات المختلفة من أبناء الوطن، وفي التاريخ الحديث للشعوب لم تنجح بلاد استجابت لعواطف بدائية في التفرقة بين مواطنيها، وكذلك باءت بالفشل أية فئة تستنصر على أبناء وطنها بقوى خارجية، تلك حقيقة تماثلها أيضاً حقيقة أن تهميش أو إلغاء شريحة من المواطنين من الأجندة الوطنية.

إقامة علاقات سلام مع المختلف في الوطن الواحد، وإعلاء تطبيق القانون على الجميع، هو الطريق لإقامة وطن قوي ومجتمع صحي، أما دغدغة «العواطف الدنيا» من المذهبية والطائفية، فهي الطريق للتحول من كراهية أهلية إلى حرب أهلية والعياذ بالله

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1320 - الإثنين 17 أبريل 2006م الموافق 18 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً