بهدف مساعدة البرلمانات الوطنية عند وضعها مسودات أو قيامها بتعديل النصوص التشريعية المتعلقة بالانتخابات، أعد مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بالتعاون مع المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية دليلاً استرشادياً مفصلاً لمراجعـة الإطـار القـانوني للانتخـابات، شمل جميع العناصر الأساسية للإطار القانوني للانتخابات ومعايير الحد الأدنى اللازم توافرها لكل عنصر أساسي لضمان انتخابات ديمقراطية.
وأحسب أننا ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البلدية والنيابية لفي حاجة ماسة إلى الاطلاع على هذه المعايير العالمية ومقارنتها بما هو متوافر لدينا من سيرورة فتية، والتفكر في مساحات النقص حتى نقترب مما يسمى بالانتخابات الديمقراطية.
ولعل من أهم المبادئ التي يدافع عنها الدليل مبدأ «تبني الإطار القانوني الكلي للانتخابات من قبل برلمان وطني منتخب بشكل شعبي» وعدم إصدار «النظام الذي ينظم الانتخابات عن طريق مرسوم تصدره جهة تنفيذية تابعة للحكومة».
وفي موضوع تشكيل هيئات ولجان الانتخاب يشير الدليل إلى الجهاز الإداري الانتخابي الأعلى، الذي عادة ما يكون «مفوضية الانتخابات» وتكون صلاحياتها وموازنتها محددة في قانون الانتخاب، ويكون هذا الجهاز الإداري الانتخابي الأعلى، مفوضية كان أم لجنة عليا، معنياً بتحسين العملية الانتخابية وتوضيح كل القضايا المتعلقة بها، وعليه أن يكون جهازاً نشطاً بشكل مستمر وليس بشكل موسمي أو قبل فترة وجيزة من بدء الانتخابات، وفي وضعنا في البحرين تأخذ «اللجنة العليا للإشراف على سلامة الاستفتاء والانتخاب» التي يرأسها وزير العدل هذا الدور.
أما بالنسبة إلى أعضاء المفوضية أو اللجنة العليا للانتخابات فيجب التأكد من أنهم قد اختيروا بطريقة نزيهة منفتحة وشفافة، وفق الإطار القانوني المحدد الذي يجب أن يحدد أيضا أسباب وطريقة إقالة العضو، كما يجب أن يحتوي القانون على أحكام معززة لاستقلالية ونزاهة هؤلاء الأعضاء بما في ذلك أحكام تحميهم من الإلغاء التعسفي لعضويتهم وتوفر لهم حصانة فيما يتعلق بأداء الواجبات القانونية.
ولا يستهين الدليل بالتحقق من ضرورة توافر النزاهة والاستقلالية في أعضاء اللجنة العليا أو المفوضية حتى لو كانوا قضاة، فقد يكونون قضاة يتبعون النظام ومعينين من قبله ومجندين للسهر على مصالحه وكذلك يجب التحقق من الشروط القانونية التي تحكم مؤهلات أعضاء مفوضية الانتخاب.
ولعلنا نتفق جميعاً مع المنحى المتشدد للدليل في توفير الإطار القانوني ضمانات لاستقلالية وحيادية المفوضية بغرض التوافق مع متطلبات الانتخابات الديمقراطية فهذه اللجان العليا ستكون مسئولة عن سلامة الاقتراع من التصويت غير القانوني والتحايلي، وكذلك سلامة عملية عد وفرز الأصوات والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات، وسيكون للقرارات والإجراءات التي قد تتخذها تأثيراً حاسماً على نتيجة الانتخابات.
ويذهب الدليل إلى مساحات أبعد، أتصورها مرغوبة جداً من قبل التنظيمات السياسية ومستبعدة جداً بالنسبة إلى سلطاتنا التنفيذية، ليقترح أن التركيبة المثلى لمثل هذه اللجان الانتخابية يكون على أساس التوافق الحزبي مع تفحص النتائج المحتملة، وأنه في حال اعتماد البلد نظام التعددية الحزبية فإنه يلزم إجراء التغييرات في عضوية لجان الانتخاب وفق قوة وحجم عضوية أي حزب يكون طرفاً في اللجنة، وخصوصاً إذا كانت هناك أحزاب جديدة. وكذلك يشجع الدليل الدول الاستعانة بوجهات نظر المعارضة، في تلمس سلبيات أية ترتيبات معينة وتصحيح النواقص لكسب الصدقية والشراكة المطلوبة.
ويتحدث الدليل عن حق المواطنين في «السعي للحصول على مناصب سياسية أو عامة - في الدولة - بشكل شخصي أو كممثلين لأحزاب أو منظمات سياسية، من دون أي تمييز » وكذلك عن احترام «حق الأفراد والمجموعات في تأسيس، وبحرية كاملة، أحزابهم السياسية الخاصة أو منظماتهم السياسية الأخرى»، وعن واجب الحكومة في التقديم «لهذه الأحزاب السياسية والمنظمات الضمانات القانونية الضرورية لتمكينهم من التنافس فيما بينها على قاعدة المساواة أمام القانون». ويذهب الدليل مقيماً مدى توفير الإطار القانوني المعتمد في البلد «ساحة لعب مستوية لجميع الأحزاب السياسية والمرشحين المشاركين في العمليات الانتخابية».
وبتفحص واقعنا نجد أن قانون مباشرة الحقوق السياسية قد صدر بمرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 من قبل جلالة الملك وبعد موافقة مجلس الوزراء، وكذلك وبالطريقة نفسها صدر قانون مجلسي الشورى والنواب بمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002. وحتى تقسيم المملكة إلى دوائر انتخابية فيحدد بمرسوم ملكي، أما الإشراف العام على سلامة الاستفتاء وانتخاب أعضاء مجلس النواب في أنحاء المملكة فيتولاها وزير العدل، الذي يصدر قرارا بعضوية القضاة والمستشارين فيها، أي قرار تعيين، ويعاونه الجهاز المركزي للإحصاء الذي يتولى القيام بأعمال التحضير والإعداد للاستفتاء والانتخاب والترشيح والإشراف على جميع الأعمال التقنية اللازمة لذلك.
إننا نرى أن روحية إصدار المراسيم والقرارات التي سبقت الانتخابات الأولى لا تتوافق قطعاً مع المعايير المرغوبة في هذه الأدلة الفنية التي وضعها فقهاء الانتخابات وفق نتائج التجارب الإنسانية المتطورة. وليس لمصلحة بلدنا التي تأمل في التحول إلى مملكة دستورية ووفق الممارسات العريقة، أن يتصدر رئاسة لجان الانتخابات العليا والتنفيذية فيها أفراد من العائلة الحاكمة من دون تفوق أو تميز أي منهم بثقافة انتخابية فوق العادة مع كامل احترامنا لشخوصهم، كما أن انتسابهم للعائلة المالكة يكفي لضرورة إعادة النظر في الاستقلالية والحيادية المطلوبتين عالمياً في عضوية هذه الهيئات، هذا إن تجاوزنا النزاهة. ولربما قال قائل لكنهم اكتسبوا خبرة، وهنا نقول إن الخبرة تأتي عبر الممارسة مع توفير الفرص الحقيقية لأفراد غيرهم، يمثلون عينة محايدة مقبولة من قوى المجتمع بعيداً عن التعيينات والقرارات المنتهية وفق «القانون». أما الأحزاب أو الجمعيات السياسية فالتعامل معها واقعيا يأتي في مستوى متأخر جداً عن روحية الدليل الذي يتحدث عن حالات تداول السلطة، ويذكر بين الفينة والأخرى ضرورة التكييف القانوني لاستيعاب حقها في تمثيل الناس ومصالحهم حتى لا يكونوا خارج اللعبة.
معايير كثيرة في التعامل مع الأحزاب السياسية ودعمها من قبل الدولة سنتحدث عنها مستقبلاً، في ظل واقع قانوني يدفعنا للبكاء المضحك، يرفض دعم إخوتنا المحاصرين في فلسطين عبر جمع التبرعات من قبل الجمعيات السياسية لمواجهة دولة الاستبداد الصهيوني بحجة أن ذلك خارج اختصاص الجمعيات السياسية، ولعلكم تتساءلون مثلي متى كان دور أي فرد أو مؤسسة بيننا، في دعم قضيته المركزية خارج الاختصاص والقانون، فتبا لهكذا قانون يمنعنا من نصرة إخوتنا والأجدى بنا تغيير هذا القانون ليتوافق هو مع مبادئنا وقيمنا لا نهدم مبادئنا بقوانين قراقوشية
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1320 - الإثنين 17 أبريل 2006م الموافق 18 ربيع الاول 1427هـ