الغرور، الغطرسة، سمه ما شئت، لكن الأمر يبقى نفسه وهو أن هناك نوعاً من النرجسية التي حتماً تراود أولئك الذين لا ينتبهون إلى تصرفاتهم. وليس بالضرورة أن يكون الشخص بارزاً في المجتمع وشخصاً ناجحاً في أعماله ليكن مغروراً، فهناك الكثير من أصحاب الخير والسمعة المرموقة يتحلون بأفضل صفات الخلق والتعامل مع شتى الناس وبيئتهم. وعلى عكس ذلك، هناك من هم في بداية طريق النجاح وحياتهم العملية، أو من ثابروا لكن لم يوفقوا للآن، كثيرو التعجرف، فاقدو هويتهم الإنسانية. فهويتهم تقلصت وانحصرت في دائرة المجاملة من أجل تحقيق المصالح الشخصية ولا غير. يوماً بعد يوم تعكس المرأة ليس وجوههم، بل ميولهم نحو النجاح مهما تطلب الأمر، مهما تدهورت الأمور من حولهم.
ليكن الأمر كذلك، فليس هذا ما يتطلبه النجاح في عالم مبني على الربحية ولا غير؟ أليس ما يريده كل واحد منا أن يجني المال لتيسير حياته وحياة من يحبهم؟ لكن في ذلك التفكير تفرعاً ثنائياً. من جانب نفعل ما نشاء لتحصيل المال من دون المبالاة للآخرين ولا حتى لأخلاقيات تكوين تلك الأموال، ومن جانب آخر نقوم بتوزيع ما لدينا من ضمير وإنسانية إلى أشخاص معينين ولا غير. وفي هذا يكمن عدم التكافؤ.
هذه حتماً مشكلة، فكيف يسير المرء نحو التطور والرقي وتحصيل الأموال بينما هو ينتزع من صدره ذلك الشيء الذي يجعله إنساناً، ذلك الشيء الذي يجعله مرتبطاً مع العالم بأسره وليس فقط ما يهمه؟ يجري الطمع غير المقيد في الاقتصاد ويؤدي إلى تفكك الروابط الشخصية والكوارث الطبيعية والبيئية. وفوق ذلك يتجرأ المرء على أن يتكبر على من لا يجد معه مصلحة.
على رغم ذلك، العالم بشكل عام فيه الخير أكثر من الشر، أو على الأقل هذا ما أؤمن به. فاليوم أفضل من الأمس، والغد سيكون أفضل بكثير إن استمر الخير يثقل الميزان إلى جانبه. لكن يجدر بنا أن نراجع مناهجنا التعليمية ونعيد النظر فيها، ونربي أبناءنا على فهم مجرى الحياة ليس فقط نظرياً بل عملياً أيضاً.
كم من مرة راجعت مشكلة ما أو علاقة ما مع شخص وسألت نفسك إن كنت صديقاً من دون سبب مادي أم صديقاً لسبب مادي؟ كم من مرة جلست مع أبنائك وراجعت ما يقومون به من استهلاك البضاعة ومدى تأثير هذا الاستهلاك على البيئة؟ كم من مرة حاولت مساعدة شخص ما لا تعرفه ولا يعرفك من دون مقابل؟ هذه مجرد بعض الأمور التي يمكنك أن تقوم بها لتحريك الجانب الإنساني من كونك عاملاً اقتصادياً يؤثر على كل ما يحيط بك.
في النهاية، كما في البداية، يرجع الأمر إليك لتسير على خط متوازنٍ بين ما تريده وتسعى إليه وما يتطلبه كل من حولك
العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ