العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ

الجمهورية الإسلامية «النووية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام حشد من السفراء المعتمدين لدى طهران بشأن إنهاء بلاده لدورة الوقود النووي لتصبح ثامن دولة في نادي الأشباح... فجّرت قنبلة أربكت اجتماعات الأطراف المعنية (وغير المعنية) بالملف النووي الإيراني. أحمدي نجاد اختار إعلان «نووية» الجمهورية الإسلامية من العاصمة الروحية لإيران، مدينة مشهد المقدسة، مركز محافظة خراسان ليعطي أبعاداً ودلالات أخرى للإعلان، أولها تسييج هذا الملف ما أمكن بمباركة السماء، وإسقاطات الايديولوجية «الدينية» النافذة في الحكم، وانتهاءً بعاملي التزمين والإسناد المعنوي، فالتوقيت استبق زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي لطهران بيومين، ربما لتدعيم موقف المفاوض الإيراني في أية جولة قد تعقد تحت تأثير العامل الأميركي والأوروبي، خصوصاً تمييع المهلة التي أعطاها مجلس الأمن لطهران في 29 مارس/ آذار الماضي، ومدتها ثلاثون يوماً لتعليق كامل أنشطتها الحساسة لتخصيب اليورانيوم.

والتوقيت أيضاً جاء استتباعاً لسلسلة الاستعراضات العسكرية الإيرانية منذ وصول المحافظين إلى السلطة في أغسطس/ آب الماضي، بدءاً بمناورات البسيج شمال طهران قبل ثلاثة أشهر وانتهاءً بما قامت به قوات الحرس الثوري من مناورات ضخمة في بحر عُمان. أمر آخر يمكن لمراقب تطورات الملف أن يلمسه جيداً وهو مدى مباشرة رئاسة الجمهورية في التصدي لإدارة هذا الملف الحيوي والحساس وغيره من الملفات، فإذا رجعنا إلى ما قبل رحيل حكومة خاتمي يمكننا استحضار أن هذا الملف وإبان حكومتي الإصلاح الأولى (1997 - 2001) والثانية (2001 - 2005) قد وضع في تفصيلاته تحت تصرف المجلس الأعلى للأمن القومي برئاسة الشيخ حسن روحاني، أما الآن فهو يدار بشكل شبه مباشر من قبل رئيس الجمهورية، وحتى الحملة الإعلامية المصاحبة لتسويق هذا الملف، يضطلع بها الرئيس مباشرة. كذلك الأمر بالنسبة إلى المحادثات الإيرانية الأميركية بشأن العراق فإن الأمر غير المعلن هو أن يتصدى أحمدي نجاد بنفسه لإدارة هذه المفاوضات عبر وزير خارجيته منوشهر متكي، على رغم ما أعلن عن تكليف مساعد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي للشئون الاستراتيجية علي حسين تابش للقيام بهذه المهمة، وفي ذلك يمكن قراءة نوعية الإدارة السياسية الجديدة التي تنتهجها القوى المحافظة للملفات الساخنة.

إيران «نووية»

على رغم أن تخصيب اليورانيوم بدرجة 3,5 في المئة ليس كافياً لاستخدامه لأغراض عسكرية، فإن تلك النسبة جعلت من إيران البلد الثامن الذي يمتلك منشآت كاملة لتحويل اليورانيوم، والبلد العاشر الذي يمتلك تقنية فاعلة في هذا النوع من التخصيب، وخصوصاً أن النجاح الذي حققه الإيرانيون يكمن في ثلاثة أمور: الأول أن أجهزة الطرد المركزي التي استخدمت في التخصيب تم صنعها في إيران، والثاني أن العلماء الإيرانيين أجروا مرحلتين ناجحتين في عملية التخصيب من دون مواجهة مشكلات فنية لتطويره الصناعي، ثالثاً أن نفقات إنتاج الوقود النووي في إيران انخفضت إلى ثلث نفقات الإنتاج في العالم، وهو ما يعني قدرة إيران على إنتاج عشرين ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية في المستقبل، مع وجود دراسات تفيد بأن نقصاً هائلاً سيجتاح الطاقة الكهربائية نتيجة انحباس حراري سببه الأنشطة الصناعية مثل تكرير النفط ومحطات الطاقة وعوادم السيارات، وأن خيار الطاقة النووية هو الطريق الأفيد لسد هذا النقص.

تاريخ العلم النووي

يرجع اكتشاف الطاقة النووية وموادها المشعة إلى العام 1896 على يد أحد العلماء الألمان (رونتجن) عندما توصل إلى نوع معين من الأشعة يصدر عن معدن اليورانيوم ويخترق الصفائح المعدنية الرقيقة، ثم تبين أن اليورانيوم نوعان، الأول انشطاري والآخر غير ذلك تبعاً لنسبة الكتل الذرية للنوعين، أما اليورانيوم 238 فتبلغ وفرته الفعلية إلى ما نسبة 99,3 في المئة، أما يورانيوم 235 القابل للانشطار فلا تزيد نسبة وجوده على واحد في المئة، وبالتالي يجب الفصل والتجميع ضمن عملية معقدة يطلق عليها اسم تخصيب اليورانيوم بطرق مختلفة، كتحويله إلى غاز ويدفع عبر مرشحات ذات فتحات دقيقة، أو عن طريق أجهزة الطرد المركزي بتدوير الغاز ودفع الجزيئات الأثقل إلى الهوامش واستخلاص الكمية المطلوبة وهي 0,7 في المئة، أو عن طريق الحصول على البلوتونيوم باعتباره مادة انشطارية. وتوجد طريقتان للحصول على الطاقة النووية الأولى تسمى الانشطار بانقسام النواة إلى جزءين أو نواتين أصغر من الأصل، وهذا يتأتى عن طريق انشطار نواة اليورانيوم أو البلوتونيوم، والثانية تسمى الاندماج الذي هو عبارة عن اتحاد نواتين مع بعضهما البعض ليكوّنا نواة أثقل، فباندماج نوى ذرتين من (الدوتريوم وهو نظير الهيدروجين الثقيل تنتج نواة ذرة الهليوم) التي تعطي كمية هائلة من الطاقة (القنبلة الهيدروجينية) وبالتالي يعتبر اليورانيوم هو المهم في كل ذلك لذراته وصعوبة تماسكها وسهولة انشطار نواته، وهو يحتاج إلى عمليات تركيز وإغناء وتخصيب، بل إن أية قنبلة نووية يجب أن تحتوي على الكمية الكافية من الوقود النووي لضمان حصول التفاعل الانشطاري المتسلسل، لأن هدف التخصيب هو زيادة نسبة ذرات اليورانيوم - 235 الانشطاري في اليورانيوم. لذلك فإن المفاعلات النووية عبارة عن منشآت ضخمة تتم فيها السيطرة على عملية الانشطار النووي إذ يتم الاحتفاظ بالأجواء المناسبة لاستمرار عملية الانشطار النووي من دون وقوع انفجارات أثناء الانشطارات المتسلسلة، أما التصميم المفضي إلى قنبلة نووية فيتم فيه قذف قاعدة نشطة بكمية أصغر منها من المادة النشطة، ما يؤدي إلى إثارة التفاعل التسلسلي لليورانيوم ويُحدث انفجاراً نووياً، وتحدث تلك العملية في أقل من ثانية.

السيناريو المقبل

المواقف الدولية من الإعلان الإيراني الأخير بدت شبه متفقة في حدتها، وخصوصاً أعضاء مجلس الأمن، الأمر الذي جعل من مباحثات البرادعي صعبة في إيران التي وصفتها بأنها كانت «عاصفة ومحمومة» إثر إصرار الرئيس أحمدي نجاد على أن إيران «لن تجري محادثات مع أحد في شأن حق الأمة الإيرانية في التخصيب ولا أحد يملك الحق في التراجع بوصة واحدة»، لكن ذلك لم يمنع مدير الوكالة الدولية لأن يصفها أيضاً بـ «البناءة».

الخارجية الأميركية أعادت تأكيد رغبتها في استصدار قرار بموجب الفصل السابع يتيح فرض عقوبات أو توفير أساس قانوني لشن عمل عسكري على اعتبار إتاحة ذلك البند خيار استخدام الحلول التي تحول دون تهديد السلم الدولي واصفة ذلك بأنه «الخطوة المنطقية المقبلة».

الأوروبيون بدورهم قد يتخذون إجراءات منفردة ضد إيران إذا فشل مجلس الأمن في تبني خطوة مشروع الفصل السابع، وهو إشارة ذكرها مسئولون أميركيون، تعبيراً عن خشية التحالف الأنغلوسكسوني من موقف روسي «محتمل» في مجلس الأمن، بل إن الحديث بدأ فعلاً عن احتمال إقرار الاتحاد الأوروبي «بناءً على توصية إسرائيلية» قوانين تحظر على الطلاب الإيرانيين الالتحاق بفروع دراسات عليا في الجامعات الأوروبية يمكن الاستفادة منها في معلومات تتعلق بالتقنية النووية، لكن وعلى رغم ذلك فإن الأمر لايزال في طور التكهنات والتخمينات، وخصوصاً من لحاظ الموقف الفرنسي الذي بدا متردداً بعد تصريح وزير الخارجية فيليب دوست بلازي، الذي قال: «مازلنا نفضل حلاً بالتفاوض لهـذا الملف». الصينيون قالوا إن «الفرصة مازالت سانحة للتفاوض»، بل إنهم سيدفعون بمساعد وزير خارجيتهم كيو تيانكاي لزيارة طهران في بحر هذا الأسبوع، في محاولة لنزع فتيل الأزمة. والروس بدأوا في التأكيد أن «تخصيب اليورانيوم صناعياً في إيران أمر مستحيل»، سعياً منهم لتخفيف هواجس الغرب. اليابانيون لم يبدوا أكثر من تعبير مساوق لما أعلنه حلفاؤهم من دون التلميح إلى رغبتهم في مساندة أي جهود غير دبلوماسية خوفاً من تضرر احتياجاتهم النفطية المُؤمّنة حالياً من حقل آزادكان الإيراني. الهند أعلنت أيضاً أنها لن تدخل ضمن جوقة الساعين لفرض عقوبات على إيران. مجموعة دول عدم الانحياز أكدت مواقفها السابقة أيضاً المعارضة لأي إجراء قد يتخذ ضد طهران.

إذاً فالأمور تبدو معقدة جداً أمام واشنطن والترويكا الأوروبية، بل إن ذلك التعقيد يدفعنا إلى التفكير بجدية لمصلحة خيار «أن يعترف» الغرب بقوة إيران النووية، ويبدأ التعاطي معها كما يتعاطى مع الدول النووية الأخرى الموجودة في المنطقة كالهند وباكستان، وبالتالي فإن مسألة قائمة الطلبات الأميركية لإيران فيما يتعلق بعمليات تخصيب اليورانيوم لكي لا تتحكم لاحقاً في الشحنة اللازمة لصنع سلاح نووي لم تعد تجدي، وهو المطلب الذي بدأ في التصاعد عقب إعلان الرئيس خاتمي في فبراير/ شباط 2003 اكتشاف كميات ضخمة من اليورانيوم في محافظة يزد، وما أعقبه من مفاوضات واتفاقات (اتفاقي سعد آباد وباريس) مع الترويكا الأوروبية.

إيران وبدخولها إلى «نادي الكبار» زادت من حضور شرق القارة العجوز «نووياً» بعد الهند وباكستان والصين، كما أن نوويتها ستغير الكثير من المعادلات في المنطقة، وانعكاس ذلك أيضاً على مستقبل الصراع العربي الصهيوني، وهو ما تم التصريح به من قبل الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله عقب اجتماعه بالشيخ الرفسنجاني في السفارة الإيرانية بدمشق بأن «الإنجاز الذي حققته إيران في تخصيب اليورانيوم سيكون دعماً معنوياً كبيراً للمقاومة». والقول ذاته أكد عليه رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1319 - الأحد 16 أبريل 2006م الموافق 17 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً