كثيرة هي القضايا التي يمكن أن نتخذ منها موقفاً عدائيّاً منذ الوهلة الأولى، ومتى ما اقتربنا منها أكثر، تغيرت نظرتنا إليها.
وربما يكون موضوع منح أبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي الجنسية إحدى هذه القضايا المعقدة، التي بدأت تظهر على السطح مع زيادة أعداد المتضررين من القانون الذي يحرم هؤلاء الأبناء من الجنسية.
هل يحق للمرأة البحرينية أن تمنح أبناءها جنسيتها إذا كانت متزوجة من أجنبي؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي يجب أن نطمئن إلى إجابته في أنفسنا، حتى نحدد بالضبط موقفنا من هذه القضية. ولكي نجيب، علينا أن نتعرف على أبعاد الظاهرة، والعوامل المحيطة بها والفاعلة فيها.
قد نفكر أولاً في أن تغيير القانون لا ضرورة ملحة له، فالمشكلة ليست على هذا الحجم من الضخامة والتعقيد. وقد نفكر أيضاً في أن المرأة البحرينية مادامت اقترنت بهذا الأجنبي، فلا ضير في أن يحمل أبناؤها جنسيته.
لكننا بذلك نكون تبنينا مبدأ «التمييز بين الرجل والمرأة، فالجنسية البحرينية تنتقل فعلاً من الرجل إلى أبنائه حتى لو كان متزوجاً من أجنبية، وهي الميزة التي حرمت منها المرأة البحرينية في حال زواجها من أجنبي لكن على رغم مشروعية هذه الأفكار، وعلى رغم صعوبة تحديد حجم واضح للمشكلة، فإن زواج البحرينية من أجنبي أصبح «ظاهرة» فعلاً، ترتبت عليها تأثيرات امتدت إلى الأبناء، الذين سيحملون تلك التأثيرات معهم حتى بعد أن يكبروا.
لم تعد القصة قصة جنسية بحرينية عندما تستمع إلى حوادث يعانيها أبناء أم بحرينية، في المستشفى، أو المدرسة أو المطار، أو في الإقامة. وخصوصاً عندما يخلف الأب الأجنبي أبناءه مع تلك الأم، تاركاً جل المسئولية عليها.
هل ندعم منح هؤلاء الأبناء الجنسية على اعتبار دمائهم «نصف البحرينية»، وهل يمكن أن نتجاهل واقعاً صريحاً يقول اننا في البحرين، وليس في أي بلد آخر.
هل يمكننا أن نتجاهل صوت أم بحرينية تقول شاكية: أشعر بالظلم في هذا البلد، فأبنائي لا يملكون الجنسية البحرينية، فيما تمنح هذه الجنسية «لكل من هب ودب» في هذا البلد.
هل يمكننا أن نمنعها من المقارنة بين وضع أبنائها، وبين وضع جاليات أخرى تسكن البحرين منذ سنوات قصيرة، وقد منحت الجنسية وامتيازات أخرى لا حصر لها؟ هل يمكننا أن نقول لها بعد ذلك إن أبناءك «غير بحرينيين» وهي تسمع وتشاهد بأم عينها قصصاً لجاليات أجنبية أو عربية، منحت الجنسية البحرينية من دون عناء يذكر، فيما كافحت هي لعقد أو عقدين من الزمان لاعطائها لأبنائها الذين يحملون دمها «البحريني الأصيل»، لكنها لم تحصل من ذلك الكفاح إلا مزيداً من العذاب، ومزيداً من القهر. لو كنا في بلد غير البحرين، لتمكنا من أن نكون موضوعيين في مناقشتنا لتغيير هذا القانون لمصلحة أبناء البحرينية، وناقشنا الأمر طارحين سلبياته وإيجابياته معاً، أما والحال هكذا، فلابد أن ننظر إلى القصة من وجهة نظر أخرى، ولابد أن نستوعب مطالب هؤلاء النسوة عندما يصرخن: «من أصحاب الأولوية في نيل الجنسية؟ أليس أبناؤنا أحق بها من المجنسين؟».
«يقولون ان المساواة في الظلم عدالة» فهل ينطبق هذا المثل هنا؟
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ