العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ

أميركا تتلاعب بخيارات الشعوب

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

تثير الولايات المتحدة الضجيج ضد إيران في إعلانها النجاح في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، مهددة بالعقوبات ضدها في مجلس الأمن بما في ذلك الـعقوبات، وتشير معها «إسرائيل» إلى الحل العسكري. وتتحرك الإدارة الأميركية مع الاتحاد الأوروبي في معاقبة الشعب الفلسطيني على ممارسته للديمقراطية في انتخابه لحركة حماس بالمقاطعة الاقتصادية، ويعلم الجميع أن أوروبا وأميركا تتحملان المسئولية في تدمير الفلسطينيين وتشريدهم من بلادهم من خلال دعم الوجود الصهيوني في فلسطين. وما يزيد الأمر سوءاً أن الأمم المتحدة قررت مقاطعة الحكومة الفلسطينية سياسياً، من خلال الضغط الأميركي الذي منعها من إدانة المجازر الصهيونية الأخيرة للفلسطينيين، فهذا العالم الغربي لا يحترم إلا اليهود، أما العرب والمسلمون فلا قيمة لهم في ميزان حقوق الإنسان عنده تماماً كما هي الحشرات، بحسب تعبير بعض حاخامات اليهود. كل ذلك في ظل سقوط عربي خائف من الغضب الأميركي في إدانة «إسرائيل» وفي المساعدة الاقتصادية للحكومة الفلسطينية الجديدة، خوفاً من المحاسبة الأميركية!

إن أميركا وأوروبا ومعهما «إسرائيل» تشنان الحرب على العالم العربي والإسلامي، وتبتزان مواردهما الاقتصادية، وتفرضان عليهما الاعتراف والتطبيع ، وتمنعهما من أيّ موقف قوي للوقوف مع شعوبهما في القضايا المصيرية، لأن المشكلة هي أننا في هذين العالمين لا نملك دولاً تحترم شعوبها، ولكننا نواجه ملوكاً ورؤساء وأمراء خاضعين للاستكبار العالمي، خوفاً على عروشهم... يا للعار.

ولا يزال الضغط الأميركي في العراق بإرباك المسألة السياسية فيه، بالتدخل في القرار العراقي المستقل في اختيار المسئولين في حكومته المقبلة ديمقراطياً، فالإدارة الأميركية لا تشجع الديمقراطية إلا إذا كانت منسجمة مع مصالحها الاستراتيجية... وهذا ما نلاحظه في الضغط على رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً من الائتلاف الموحد، بالمستوى الذي يتدخل فيه بوش شخصياً ضد اختياره.

ولاتزال المجازر الوحشية بالتفجيرات للمساجد والشوارع والأسواق تقتل المدنيين من النساء والأطفال والشباب والشيوخ، من دون أن نلاحظ الشجب القوي لهذه الظاهرة الإجرامية التي انتشرت في العالم الإسلامي من قبل الفئات التكفيرية التي لا تفرق بين السنّة والشيعة، وهذا ما رأيناه في المجزرة الوحشية في باكستان في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف. إننا في كل مواقع هذه الظاهرة الوحشية لا نبرئ السياسة الأميركية التي تحمل الحقد الأسود ضد المسلمين في بلادهم، انطلاقاً من الفوضى السياسية والأمنية لإرباك الأوضاع كلها لتمنع حركة التقدم العلمي والاقتصادي والسياسي، وهذا ما يتمثل في التخطيط لعالم خاضع لـ «الإمبراطورية الأميركية والإسرائيلية» التي تضغط على الدول الأخرى، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان والصين... ورحم الله الإمام الخميني الذي كان يتحدث عن الشيطان الأكبر الوسواس الخناس، الذي يتحرك في العالم كله مهدداً بأسلحة الدمار الشامل، ومانعاً الشعوب من التخطيط للحصول على الأسلحة الدفاعية والمشروعات السلمية الإبداعية.

أما لبنان، فإنه يعيش هاجس الذكرى الحادية والثلاثين للحرب اللبنانية، ويتخوف مواطنوه من الألاعيب السياسية المعقدة التي يتحرك فيها النادي السياسي من خلال المشروعات المشبوهة لهذا الفريق أو ذاك، في كلمات الحق التي يختفي في داخلها الباطل. وإننا نؤكد على المسئولين وكل الأجهزة الأمنية المخلصة في البلد، أن تلاحق خفافيش الظلام الذين يخططون للفتنة على صعيد طائفي أو مذهبي أو حزبي، ما تتحرك فيه عناصر الإثارة في التحليلات والخطابات والتصريحات، ولاسيما في حركة الزوايا المخابراتية المظلمة في السفارات، وخصوصاً السفارة الأميركية من خلال تعليمات إدارتها التي تعمل للعب بلبنان كورقة ضاغطة في سياستها في المنطقة. وفي الوقت الذي نأمل أن تستكمل الحكومة الإصلاحات الاقتصادية من أجل حل المشكلات المزمنة التي يعاني منها اللبنانيون، ولاسيما في المناطق المحرومة الجائعة الفاقدة لفرص العيش الكريم، ندعو الجميع ولاسيما الخبراء إلى التوافر على الدراسة العلمية والوسائل الواقعية التي تصل بالوطن إلى شاطئ الأمان، وألا يجعلوا مشكلة البلد تتمحور في موقع واحد، لأن لبنان يعيش الفوضى في أوضاعه من خلال أكثر من مشكلة اقتصادية وسياسية وأمنية ورئاسية.

إننا نأمل أن تنجح الدولة في الأمن والاقتصاد والسياسة، عندما تتحول الأمور إلى صناعة الدولة بعيداً عن المزرعة في تاريخها وفي حاضرها، فذلك هو الذي يتطلع إليه اللبنانيون

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1318 - السبت 15 أبريل 2006م الموافق 16 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً