عالمنا العربي عالم فسيح بخيراته وثرواته، لكنه ضيق الأفق في فكر زعمائه، ولولا ضيق وضعف ذاكرة هؤلاء في عالمنا - الذي ضم على مدى تاريخه العريق أباطرة عظام - لاستطاعوا تخطي أخطاء الأمس، لكنهم أبوا ذلك ونسوا أو تناسوا أن يتعلموا شيئاً يسيراً من البقايا وأخطاء وتجارب سابقة، حتى لا يعيدوا تكرار المنوال نفسه داخل حدود بقعة جغرافية ضيقة، يجد منها ذاك الزعيم ضالته في بلوغ ملذات الدنيا، والاحتكام بكرسي الرئاسة، ولكن بيد من حديد، في المقابل، يحكم رعيته إما بطلقة من نار وهذا في العموم موجود، أو الإنصاف والتمسك بأهداب الديمقراطية وحكم الشعب لنفسه وهذا نادر وفريد.

وآخر صرعات الفكر لدى زعمائنا العرب ما أطلقه أخيرا الزعيم الليبي معمر القذافي على عادته دوما حين أم زعماء أفارقة ومسلمين في مالي وألقى خطبة تاريخية على غرار بقية خطبه المشهود لها على مر الأزمنة بنزعتها الفكاهية الأكثر منها من الواقعية، ودعا اليهود والنصارى إلى «الطواف حول الكعبة ما دام الله بعث بمحمد نبيا لكل الناس، والكعبة هي بيت الله، إذاً فالكل مدعو للطواف وليس المسلمين والعرب فقط». وأضاف أيضاً أمام جموع من الأفارقة، في ذكرى المولد النبوي، «أتحداهم أن يسمحوا للرئيس الأميركي جورج بوش بالطواف حول الكعبة، ولا يعتبرونه نجسا أو مشركا». وتساءل «وإلا، لماذا يصادقونه ويأكلون معه؟».

دعوة القذافي قوبلت بانتقادات لدى أوساط الإسلاميين في الأردن وقال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين سالم الفلاحات «الرئيس الليبي عودنا على صرعاته وهو يفتي على هواه فالرئيس الليبي الذي دعا للسماح بطواف المسيحيين واليهود حول الكعبة يعلم أن هذا الأمر محرم شرعا». وأضاف «قد يكون دافع القذافي وراء إطلاق مثل هذه التصريحات نكاية بالسعودية بسبب علاقاته المتوترة معها».

كما ذهب رئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور في تفسير تصريحات القذافي بقوله «مثل هذه الفتاوى والتصريحات تفسح المجال للأمة الإسلامية لتكشف حقيقة بعض زعمائها وعلمائها لتدرك الأمة ما أصاب هؤلاء من لوثات فكرية وهزيمة نفسية»