كيف صوّر الإعلام المقروء المرأة في انتخابات العام 2002، كيف أظهرها للقراء، وما حجم التغطية الإعلامية التي منحت للمرأة المترشحة في تلك الانتخابات؟ تعتبر هذه الأسئلة الثلاثة عناوين رئيسية كبيرة قد يجيب عليها المعنيون بأكثر من طريقة، إلا أنه قدر لي أن استحصل على إجابات علمية وموضوعية وحيادية، في دراسة أكاديمية قمت بها أخيراً سألت فيها الأسئلة نفسها، وجعلتها المحاور الرئيسية التي استضاءت بها الدراسة.
في هذا المقال، أحب أن أشرح النتائج العامة للدراسة، للمهتمين والباحثين، وللإعلاميين أيضاً، لإيماني الخاص بضرورة تقييم أعمالنا والتعرف على ما قدمناه ، قبل القفز إلى أية استنتاجات أو تعميمات.
ولنبدأ بالتفاصيل التقنية للدراسة، والتي اعتمدت على تقنية تحليل المضمون الكمي لصحيفتين محليتين، ممثلتين عن الصحافة المحلية التي تصدر باللغة العربية، في تغطيتهما التي طالت النساء المترشحات في العام 2002. وتمت الدراسة بمراقبة ما تم نشره بالتفصيل في هاتين الصحيفتين عن موضوع ترشيح المرأة للانتخابات، أو العمل السياسي للمرأة في البحرين. وتم التحليل لمضمون تلك الصحيفتين على مدى شهرين، شهر سابق ليوم الاقتراع، وشهر لاحق له، للتوصل إلى نتيجة تجيب على السؤال الرئيسي للدراسة: كيف تم «تصوير» النساء المترشحات في التغطية الإعلامية للانتخابات؟ أي كيف رسمت الوسائل الإعلامية المختارة صورة تلك النساء في تغطيتها.
وتوصلت في هذه الدراسة إلى عدة نتائج، أحب أن أعرض بعضاً منها، للاستئناس بها وخصوصاً أننا مقبلون على الانتخابات النيابية، والجهود مشحونة بقوة لدعم المرأة فنياً، إعلامياً، أو حتى سياسياً.
ولشرح نتائج الدراسة، سأطلق على الصحيفتين تجاوزاً «الصحافة المحلية»، إذ لم أجد أي فروق واضحة بين الصحيفتين، كما يمكن أن تعتبر كل منهما ممثلاً عن الصحافة المحلية.
النتيجة الأولى والمهمة التي توصلت إليها الدراسة، هي أن الصحافة كانت داعمة للمرأة بشكل إيجابي، إذ لم يذكر ترشيح المرأة في الانتخابات، أو حق المرأة الانتخابي، أو حتى عمل المرأة في السياسة بشكل سلبي في الصحافة إلا بنسبة بسيطة جداً تكاد لا تذكر في الفترة التي حددتها الدراسة.
والمشكلة لم تكن في التوجه كان سلبياً أو إيجابياً، وإنما كانت في حجم التغطية التي أعطيت للمرأة المترشحة في الصحافة، والتي لم تكن ذات حجم كبير مقارنة بمجمل التغطية الانتخابية في تلك الفترة، ناهيك عن أن التغطية الخاصة بالنساء المترشحات لم تكن بارزة بروزاً حقيقياً في الصحافة المحلية، فلم تنل المواد التي نشرت عن المرأة المترشحة مثلاً نصيباً كبيراً من عناوين الصفحة الأولى، كما لم تنل مساحة واسعة بحجم صفحة كاملة أو نصف صفحة تتحدث عن ترشيح النساء.
النقطة الأهم التي أظهرتها نتائج الدراسة، كانت أن المصدر الرئيسي للمعلومات، أو للخبر، في مجمل التغطية، كان هو المصدر الرسمي، فعلاوة على أن غالبية المواد المنشورة عن النساء المترشحات كانت في صيغة أخبار (ليست تحقيقات أو تقارير أو أعمدة بشكل إجمالي)، فقد كان المصدر الرسمي الممثل في الجهات المسئولة من الدولة، هي المصدر الرئيسي للأخبار في مجمل تلك التغطيات. وهي نقطة أحب أن ألقي الضوء عليها لأوضح للجهات الرسمية ووسائل الإعلام معاً، أن التغطية الإعلامية للمرأة المترشحة في الانتخابات، ظهرت للقارئ، أو المتلقي، وكأنها توجيه «رسمي»، أي أن كل ما يذكر عن ترشيح المرأة ودعمها بالنسبة إلى القارئ، سواء كان تغطية إخبارية، أو حدثاً، كان الجانب الرسمي يقف خلفه. وهو أمر خلف صورة نمطية لدى العامة تعزز أن دعم المرأة في الانتخابات هو توجه رسمي، لأن كل من يتحدث عنه، أو يدلي التصريحات بشأنه، بكل بساطة هو الجانب الرسمي. وأحب أن أؤكد هنا أن المسألة نسبية طبعاً، فقد كانت هناك نسبة كبيرة أيضاً من مقالات وأعمدة الرأي التي لم يكن لها أي مصدر للأخبار بطبيعة الحال إلا كاتبها، كما كانت هناك مصادر أخرى للأخبار في التغطيات التي نشرت جاءت بالترتيب الآتي: النساء المترشحات أنفسهن، الجمعيات النسائية ثم الجمعيات السياسية.
نتيجة أخرى توصلت إليها الدراسة، جاءت متعلقة بالتركيز على موضوع النساء المترشحات داخل التغطية الإخبارية نفسها. لقد كان من الواضح أن موضوع ترشح النساء لم يكن ذا أولوية تذكر مقارنة بأخبار أخرى طغت على الساحة الإعلامية في تلك الفترة، أهمها مقاطعة الانتخابات مثلاً. فقد ركزت التغطية الإخبارية في مجملها على موضوع المقاطعة، وأبرزته في عناوينها الإخبارية، وفي الصور أيضاً، بينما كان موضوع ترشيح النساء ثانوياً حتى في التغطيات التي ذكرته فعلاً، والتي شملتها الدراسة بالتحليل.
ومن المهم هنا أيضاً أن أوضح أن الغرض من الدراسة لم يكن الحكم السلبي أو الإيجابي على الصحافة، ولم يتسع وقتها لقياس عوامل أخرى أثرت ومازالت في تلك التغطية الإخبارية. لقد كان الغرض الرئيسي من الدراسة هو «وصف» و «تحليل» ما تم نشره، بشكل علمي ومتسلسل، للتعرف بلغة الأرقام على أداء الصحافة في تلك الفترة وفي هذا الموضوع بالذات.
وبعيداً عن الدراسة ونتائجها، ونحن على مشارف الانتخابات، والنساء يتطلعن بشغف إلى مقاعد البرلمان، والصحافة مهاجمة على الدوام بعدم إعطائها المجال لمرشح دون آخر، وخصوصاً إن كان الأمر مرتبطاً بامرأة. أقول بعيداً عن هذا كله، يتضح لنا أنه لا يوجد أداء مثالي للصحافة في تغطيتها لفترة وموضوع حرج كالانتخابات، وموضوع أكثر حرجاً في هذه المنطقة من العالم بالذات مثل ترشيح النساء للانتخابات. فعلى الدوام ستتداخل عوامل عدة تؤثر على هذه التغطية سلباً أو إيجاباً، وتدفعها إلى جانب دون آخر. فقد يقول البعض مثلاً كيف نعطي النساء المترشحات نصيباً من التغطية الإعلامية يفوق أقرانهن من الرجال وهن أقل عدداً وربما أقل كفاءة، وهذا حق. وقد يقول البعض أيضاً إنه يجب ألا تكون للمرأة حظوة على الرجل حتى في التغطية الإعلامية من منطلق خلق فرص متعادلة للطرفين، وهذا حق أيضاً. وأعود لأؤكد أن الغرض من الدراسة التي أجريتها لم يكن لتعزيز فكرة محورها أن الصحافة مقصرة في حق المرأة التي ترشحت في الانتخابات، فهي لم تكن مقصرة. لم يكن الغرض من الدراسة سوى وصف ومراقبة لما تم نشره، اعتماداً على نظرية علمية مفادها أن كل ما تنقله وسائل الإعلام، وكل ما تكتبه الصحافة، يخلق صورة ذهنية لدى القارئ والمتلقي، تتعزز وتتشكل مع الزمن، وتؤثر ربما على قراراته، آرائه أو حتى أفعاله. وربما ما نحتاجه في هذه المرحلة بالذات، والانتخابات على الأبواب، أن نجري دراسة أخرى عن تأثير هذه الصور الذهنية التي خلقتها الصحافة أو وسائل الإعلام لدى جمهور المتلقين، والتغيير الذي أحدثته على أفعالهم بالتصويت، لمرشح دون آخر، أو مرشحة دون أخرى
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ