بدأ استخدام مصطلح المصارف الالكترونية كتعبير متطور وشامل للمفاهيم التي ظهرت مع مطلع التسعينات مثل الخدمات المالية عن بعد او المصارف الالكترونية عن بعد. وجميع هذه التعبيرات تتصل بقيام الزبائن بادارة حساباتهم وانجاز اعمالهم المتصلة بالمصرف عن طريق المنزل او المكتب او أي مكان آخر. لكن بقيت فكرة الخدمة المالية عن بعد تقوم على اساس وجود البرمجيات المناسبة داخل نظام كمبيوتر الزبون، بمعنى ان المصرف يزود جهاز العميل بحزمة البرمجيات - اما مجانا او لقاء رسوم مالية - وهذه تمكنه من تنفيذ عمليات مصرفية معينة عن بعد.
ويعود تاريخ المصارف الالكترونية بمعناها الحديث إلى العام 1995 الذي شهد ولادة أول مصرف على الشبكة، وهو نت بنك (Net.B@nk). وهذا النوع من المصارف الالكترونية ليس مجرد فرع لمصرف قائم يقدم خدمات مالية وحسب، فقد تطورت مواقع أو البوابات الإلكترونية للمصارف لتصبح قناة تواصل مستمرة مع الزبون تتوفر من خلالها التحويلات المالية بما فيها تلك ذات الطابع التجاري مرفقة مع شيء من الخدمات الإدارية التي لا تخلو من بعض الاستشارات شبه الشاملة.
أدى ذلك إلى بروز احد اهم تحديات المنافسة في ميدان المصارف الالكترونية. فأصبحنا نرى اليوم مؤسسات مالية تقدم على الشبكة خدمات ذات طابع مصرفي كانت، سابقا، حكرا على المصارف بمعناها التقليدي او بمعناها المقرر في تشريعات تنظيم العمل المصرفي. تفرع عن كل ذلك بروز مؤسسات تجارية او مؤسسات تسويقية تمارس اعمالا مصرفية بحتة نتجت عن قدراتها المتميزة على ادارة موقع مالي على الشبكة، ولعل مكتبة أمازون. كوم (amazon.com) هي من أشهر المواقع التي أصبحت مصرفاً حقيقيا بالمعنى المعروف، وتعتمد في تقديم خدماتها المالية على شبكة خطوط مرتكزة على منصة ترتبط بها مع مجموعة مختارة من المصارف القائمة.
على هذا الأساس، لم يعد المصرف الإلكتروني مجرد بوابة تحويل أموال بقدر ما هو نظام الكتروني متطور ومشبك مع مؤسسات ذات علاقة بالعمل المصرفي أو التجاري وربما حتى الصناعي، يتيح للزبون الوصول الى حساباته او اية معلومات يريدها والحصول على مختلف الخدمات والمنتجات المصرفية من خلال شبكة معلومات يرتبط بها جهاز الحاسوب الخاص المرتبط بالانترنت.
وعلى رغم نجاح فكرة مصارف الإنترنت واستقطابها للملايين من عملاء المصارف التقليدية كما أشرنا في الحلقة الأولى، فإنها أصبحت تواجه الكثير من المشكلات، وأهمها انقطاع الخدمات وبطؤها أحيانا، بسبب المشكلات الفنية في أجهزة الكمبيوتر وشبكات الانترنت.
أنواع المصارف الالكترونية
ساد مفهوم خاطئ لتعبير مصارف الإنترنت. إذ اكتفى بعض المصارف بحضور جامد على الانترنت ليبرر ادعاءه بأنه يقدم خدمات مصرفية على الويب. وفي حقيقة الأمر ليس كل موقع لمصرف على شبكة الانترنت يعني مصرفاً الكترونيا، وربما من المبكر اليوم تحديد معيار دقيق لهذا المفهوم نظرا إلى كون الانترنت وكذلك صناعة الخدمات المالية عليها لاتزال في مراحلها الجنينية، لذلك من المتوقع ان يظل معيار تحديد المصرف الالكتروني مثار تساؤل الى ان يتم تشريعيا تحديد معيار منضبط في هذا الحقل.
لكن على رغم ذلك فقد خطت المؤسسات العالمية وتحديدا جهات الاشراف والرقابة الأميركية والاوروبية خطوة متقدمة على هذا الطريق، وحاولت أن تضع معايير عامة تحدد في ضوئها التعريفات الأساسية للمصارف الالكترونية على الانترنت:
الاول، الموقع المعلوماتي، Informational وهو المستوى الاساسي الأولي للمصارف الالكترونية او ما يمكن أن نطلق الحد الادنى من النشاط الالكتروني المصرفي، هذا النمط من المصارف الإلكترونية تقتصر خدماتها على توفير معلومات وافية تفاعلية حول برامج ومنتجات وخدمات المصرف مالك الموقع المصرفية.
ولابد من التنويه هنا إلى ضرورة ان تكون المعلومات دقيقة ويتم تحديثها بوتيرة تفرضها طبيعة المعلومة والخدمة المتوخاة منها.
الثاني، الموقع التفاعلي او الاتصالي Communicative وهذه نقلة نوعية إيجابية أخرى باتجاه الخدمات المصرفية الإلكترونية، إذ بحيث يسمح هذا النوع من المواقع بشكل بدائي من أشكال التبادل الاتصالي بين المصرف وعملائه كالبريد الالكتروني وتعبئة طلبات او نماذج على الخط او تعديل معلومات القيود والحسابات.
الثالث، الموقع التبادلي أو الذي يبيح التحويلات Transactional وهنا نصل إلى المستوى الذي يمكن أن يدعي فيه المصرف أنه يمارس خدماته وانشطته ويوزع منتجاته في بيئة الكترونية. فهذا المستوى من الحضور على الويب يسمح للزبون بالوصول الى حساباته وادارتها واجراء الدفعات النقدية والوفاء بقيمة الفواتير واجراء كل الخدمات الاستعلامية واجراء الحوالات بين حساباته داخل المصرف او مع جهات خارجية.
أسباب النجاح
تكمن أسباب كثيرة وراء نجاح ظاهرة مصارف الانترنت من بين أهمها:
1 حصول العملاء على الخدمات المرغوب فيها من خلال الانترنت وهم في بيوتهم أو مكاتبهم، وهذه ميزة لا تتوفر في المصارف التقليدية.
2 قدرة العملاء على الاستفادة من خدمات المصرف على مدار 24 ساعة يوميا، أو ما أصبح معروفا بـ 724. أي 24 ساعة وعلى مدى أيام الأسبوع، وهذه ميزة لا تتوفر في المصارف التقليدية.
3 رخص بعض الخدمات التي تقدمها مصارف الانترنت مقارنة مع مثيلاتها في المصارف التقليدية.
4 ارتفاع أسعار الفوائد المعطاة للعملاء على حسابات التوفير المقدمة من المصارف الإلكترونية عن المصارف التقليدية.
5 تنوع خدمات المصرف واستقطابها لشرائح متعددة من العملاء. فالخدمات المتاحة الآن هي في المجالات المصرفية والاستثمار والتأمين والتسوق عبر الانترنت. وهي مجالات واسعة بطبيعتها عدا عن قابليتها للتوسع والتنوع وفقا لحاجات العملاء وظروف المنافسة.
6 تجاوز الحدود الجغرافية واستقطاب الكثير من العملاء البعيدين جغرافيا عن مراكز عمل المصرف، بسبب ثورة التكنولوجيا والانترنت.
7 تطبيق مبدأ الشفافية في أداء الأعمال. إذ يفتح المجال أمام العملاء لإبداء آرائهم في مستوى جودة الخدمات أو طرق تطويرها أو مناقشة المشكلات التي تصادفهم. ويتم ذلك كله عبر الانترنت والهاتف والبريد. ويتم نشر آراء العملاء والردود عليها من خلال شبكة الانترنت لتعميم الفائدة على الجميع، على رغم أن بعض آراء العملاء لا تخلو من الانتقاد الحاد.
8 تطور أداء الموظفين وارتفاع كفاءة أدائهم من تدريب الموظفين تدريبا خاصا لمواجهة جميع متطلبات العمل والعملاء. والملاحظ أنها تركز على خدمة العملاء بطريقة مريحة نفسيا.
تجارب المصارف العربية على الإنترنت
أما على المستوى العربي فقد شهدت المصارف العربية تطورا ملحوظا باتجاه التحول نحو الخدمات المصرفية الإلكترونية. وأصبحنا نرى البعض منها قادراً على تقديم الكثير من خدماتها عبر شبكة الانترنت. وقد نجحت في ذلك وفي كسب رضا العملاء وولائهم. والأمثلة كثيرة سواء في البحرين أو الإمارات أو الكويت أو خارجها.
وهكذا، فإن المصارف القائمة في العالم أجمع أصبح لديها توجه لتقديم بعض خدماتها عبر شبكة الإنترنت. كما أنها تشجع العملاء على ذلك بإعفائهم من دفع بعض الرسوم. لذلك، يبدو أن من يتخلف عن مواكبة هذا الركب، فإنه قد يفقد الكثير من عملائه.
يشار هنا أننا في البحرين، إلى قطع بنك البحرين والكويت شوطا طويلا على هذه الطريق، تستحق الدراسة والتكرار
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ