الفرنسي ميشيل فوكو يقول «إن التطبيق جزء من الفكرة»، فما الفائدة من أن أقدم لكم حلولاً نظرية لجميع قضاياكم الملحة، لتصدموا بعد ذلك في تطبيقها؟ وعليه، من الضروري ألا أدعي العبقرية في أن أهديكم حلولاً لا تستطيعون استثمارها. وعليه أيضاً، لابد أن نفرغ بعد محاولة الحديث عن عبقرية «المعارضة» إلى نتيجة مفادها أنها «معارضة خيالية»، وأنها تجيد صناعة الحلول النظرية، والتي لا تمس الواقع بصلة.
المشكلة أننا أمام معارضة لا بديل لها، فالمعارضة مرتبطة بمفرخة أيديولوجية لا تتغير، والبديل هو القبول بالواقع حسب، وفي كلا الخيارين، سواء القبول بالمعارضة أو الواقع «غصة»، إلا أن الأهم هو أن تدرك بعض الرموز في المعارضة أنها أصبحت «مملة» بما يدعو للتحمل.
مرت النخب السياسية في المعارضة بفترات حملت انشقاقات سياسية حادة طالت التيارات الدينية واليسارية على حد سواء، إلا أننا اليوم أمام انشقاقات حدية، انشقاقات الشارع السياسي المعارض على النخب نفسها، ومن يستطيع إنكار أن الكثير من نخبنا السياسية الدينية منها واليسارية أصبحت تدرك انه ثمة جيل جديد يكاد أن يكفر بها.
ظاهرة «اللجان الشعبية»، «اللجان الأهلية»، هي دلالة على أن منظومة المعارضة الكلاسيكية بدأت تنكسر، وأن جزءا لا يستهان به من جماهير المعارضة أصبح تواقاً لتجريب ما هو مختلف عن أفكار «الوفاق» وشقيقاتها الثلاث، التي أثبتت السنوات الأربع الماضية فشلها!
من جهة أخرى، الحكومة ساهمت في تفعيل هذا الخيار من دون أن تدري، فالحكومة التي ترفض الحوار مع الجمعيات القانونية، والتي تستجيب لضغط المظاهرات والاعتصامات بمشروع التوظيف مثلاً، هي تجر الناس إلى لغة «خذ حقك بيدك»! الحكومة تتفنن في تحطيم المعارضة القانونية، وهي تزيد من شعبية المعارضة الجديدة، فهل هي تدرك هذا، أم أنها تنتظر مفاجأة ما؟
الكفر بالمعارضة قاب لجنتين أو أدنى، اللجان الشعبية مسامير في نعش المعارضة القانونية، والحكومة تتبرع/ تتمتع بضربها، وعلى المعارضة أن تدرس أوضاعها بدقة، وعليها أن تدرك أن الأمر لا يستهان به. وكما أن الدستور البحريني قد شرع للنواب «حق» اللجوء إلى الملك بداعي أنه لا يمكنها التعامل مع الحكومة، فإن الشارع يستطيع أن يعلن انه بريء من المعارضة القانونية، ومن رموزها، ومن برامجها، ومن جمعياتها، ومن نظرياتها التي لا تجد أرضا للتطبيق
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ