أصارحكم، انني لم أفهم نظرية «الفضاء الإفريقي» التي كان يكررها الزعيم الليبي معمر القذافي إلا قبل 3 أيام! على رغم ان هذا القائد العربي لم يفوت أية فرصة على الجماهير العربية إلا استغلها لشرح هذه النظرية، بل انه أمتع اسماع قادة الدول الإسلامية في اندونيسيا، بشرح مفصل عنها في مؤتمرهم الأخير، وهو ما سيتيح للنظرية دخول التاريخ لتأخذ مكانها إلى جانب نظرية «الجدلية التاريخية».
ربما تأخري في فهم هذه النظرية - وهو أمر مخجل - يعود إلى عدم متابعتي لخطب الزعيم الليبي الكثيرة، فهو أينما حل وارتحل شرع في الخطبة، حتى انتهى قبل يومين إلى تمبكتو.
ولعل ما يجعل المرء يقتنع اليوم بصحة نظرية «الفضاء الإفريقي»، هو ما رأيناه من استقبال جماهيري حاشد في دول غرب إفريقيا. وهذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها الزعيم هذه المنطقة، فقد زارها قبل فترة ولقي من الاحتفاء ما يفوق التصور. لكنها المرة الأولى التي نقرأ تقارير وكالات الأنباء، ونرى بأعيننا صور الاستقبال الرائع، الذي يفوق تصورنا نحن سكان المشرق العربي.
العقيد عاد إلى بلاده أمس (الخميس) بعد غياب دام أسبوعا كاملا، زار خلاله السنغال ومالي، إذ جرى له توديع كبير في مطار تمبكتو، كان في مقدمته الرئيس المالي أحمد توماني توري (والأخير ربما يتهمه البعض بأنه موال لإيران لأن اسمه مأخوذ من التومان!). وخلال زيارته إلى «معهد أحمد بابا» أهداه أحد الماليين دراسة كبيرة توثق «الأعمال التاريخية والمتميزة للقذافي» كما ذكرت صحيفة «ليبيا اليوم».
قبل أشهر، خلال المؤتمر الاسلامي، أعرب القذافي عن رغبته في إمامة الصلاة في أحد مساجد العاصمة جاكرتا، ولكن الاندونيسيين في شرق العالم الإسلامي، لم يكونوا كراما معه، فلم يستجب الوزير ذو العلاقة، لرغبته المشروعة. أما في أقصى غرب العالم الإسلامي، فقد جاءته «الجماهير» تطلب أن يؤمها في صلاتي المغرب والعشاء.
المفاجأة الأكبر هو أن الصف الأول كان يقف فيه رؤساء خمس دول (مالي، سيراليون، النيجر، موريتانيا والسنغال) فضلا عن آلاف المسلمين من زعماء وشيوخ القبائل الإفريقية وعلماء المسلمين من شرق وغرب وجنوب إفريقيا، وآسيا الوسطى ومن غرب وشرق أوروبا ومن أميركا وكندا أيضا.
بعد الصلاة، ألقى القذافي خطبة دعا فيها اليهود والمسيحيين إلى الحج إلى مكة، وشدد على حقهم في الحج والطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات، فالرجل لا يؤمن بالتفرقة بين البشر، «فهذا الحق ليس مقتصرا على العرب أو المسلمين فقط». وتحدى أن يسمحوا للرئيس الأميركي جورج بوش بالطواف حول الكعبة وعدم اعتباره نجسا أو مشركا، متسائلا: «إذا كانوا يعتبرونه نجسا لماذا يصادقونه ويأكلون معه؟».
هل تلوموني إذاً على عدم فهمي نظرية «الفضاء الإفريقي» إلا قبل ثلاثة أيام؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1316 - الخميس 13 أبريل 2006م الموافق 14 ربيع الاول 1427هـ