ناقشنا في مقال يوم أمس أسباب تراجع أداء البورصة في الآونة الأخيرة. وتبين لنا أن هناك أربعة أسباب هيكلية وهي أولاً: ارتفاع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة، ثانياً: كثرة الاكتتابات الأولية، ثالثاً: تصرفات صغار المستثمرين، رابعاً: تصرفات المستثمرين من رعايا دول مجلس التعاون الخليجي.
وقبل الخوض فيما بوسع السلطات الرسمية عمله لا بأس بتسجيل ما جاء على لسان محافظ مؤسسة نقد البحرين رشيد المعراج. فقبل نحو 3 أسابيع حضرت جانباً من ندوة حاضر فيها المحافظ، أكد أن الجهات الرسمية سوف لن تتدخل لتساعد المستثمرين الذين خسروا بسبب تراجع أداء بعض الأسهم. وبرر المحافظ موقفه بأن المؤسسة (وهي الجهة المنوط بها مهمة الإشراف على سوق البحرين للأوراق المالية) تؤمن بنظام السوق، أي العرض والطلب. ورأى المحافظ أن من غير الصواب أن تعوض الحكومة مستثمرين اتخذوا قرارات وبدا أنها لم تكن صائبة في نهاية المطاف. وتابع أن دور مؤسسة نقد البحرين يقتصر على التأكد من توافر المعلومات التي يحتاج إليها المستثمر لاتخاذ قراراته.
جاء هذا الكلام بعد أيام من قرار الحكومة السعودية بالتدخل لغرض المحافظة على السوق. لكن يبدو أن حكومتنا ترغب في عمل شيء خوفاً من حدوث تداعيات لا تحمد عقباها. بيد أن الحكومة لا تمتلك حلولا لهذه المسألة، بدليل إقرارها تشكيل لجنة لدراسة الوضع. وكان قرار مجلس الوزراء غامضا بعض الشيء، إذ أشار إلى نقطتين متناقضتين إلى حد ما: حماية صغار المستثمرين من جهة والعمل على استقطاب المزيد من النشاط إلى البورصة من جهة ثانية.
لا نهاية لارتباط الدينار بالدولار
أيضا لا يتوقع أن تنهي الحكومة عملية ارتباط الدينار بالدولار الأميركي. بدورنا لا نؤيد إنهاء حال الارتباط نظرا إلى أن الارتباط يعزز من الثقة في اقتصادنا الوطني الصغير الحجم (يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين نحو 9 مليارات دولار بالأسعار الثابتة، أي أقل من واحد في المئة من حجم الاقتصاد الأميركي). وأكدت الحكومة مراراً رغبتها في مواصلة ارتباط الدينار بالدولار. من جهة أخرى يتركز الكلام في الدوائر الخليجية هذه الأيام حول قضية احتفاظ الاحتياطي بالدولار أو اليورو، نظرا إلى تراجع قيمة الدولار في الأسواق الدولية. لكن ليس هناك حديث بشأن فك الارتباط مع الدولار لا من قريب ولا من بعيد. بل ان ارتباط الدينار (وسائر العملات الخليجية الأخرى) بالدولار ينصب في خانة الوصول إلى الاتحاد النقدي الخليجي مع حلول العام 2010.
السؤال المطروح: هل بمقدور الحكومة أن تعمل شيئا ملموسا لمعالجة المستثمرين والبورصة؟ يبدو لنا أن الحكومة تمتلك أدوات محدودة في أحسن الأحوال. وحقيقة لا يتوقع أن تقوم الحكومة بتعويض الخاسرين خوفا من حدوث مطالبات بشكل متكرر في المستقبل كلما مرت البورصة بظروف صعبة، فتعويض المستثمرين لم يكن أبدا جزءا من برنامج عمل حكومتنا، والتي تتبع سياسة مالية محافظة.
كما أننا لا نتوقع أن تقوم الحكومة بوضع شروط فيما يخص المستثمرين من رعايا دول مجلس التعاون الخليجي. المعروف أن دول المجلس غير ملزمة حتى هذا التاريخ بمنح حرية الحركة لعوامل الإنتاج بين الدول الأعضاء، فهذه الخاصية من صفات السوق المشتركة والتي بدورها لم تبدأ بعد. يذكر أن دول المجلس مرتبطة بمشروع الاتحاد الجمركي حتى العام 2007. وعلى هذا الأساس المطلوب تطبيق سياسة تجارية خارجية موحدة مع الدول غير الأعضاء. فيلاحظ أنه ليس بمقدور المواطن البحريني شراء أو بيع الأسهم في الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية. كما أن باقي دول المجلس تضع شروطا مختلفة مع بعض الاستثناءات فيما يتعلق بإمارة دبي.
المعروف أن البحرين سباقة بين شقيقاتها في دول المجلس في تطبيق القوانين كجزء من سياسة اقتصادية، ربما لأن البحرين بحاجة إلى استثمارات دول المجلس أكثر من غيرها. وعلى كل حال، كشفت تجربة البحرين أن هناك جوانب سلبية لا يمكن التغاضي عنها فيما يخص منح رعايا الدول الأعضاء حرية الشراء والبيع من دون قيود. ختاما لا يبدو لنا أن بمقدور الحكومة عمل شيء لخدمة صغار المستثمرين
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1315 - الأربعاء 12 أبريل 2006م الموافق 13 ربيع الاول 1427هـ