نمر بحرب كلامية في المنطقة، سلاحها حالياً التصريحات المسئولة وغير المسئولة، الصادقة والكاذبة، والأوراق مختلطة من كل جانب. رئيس أكبر دولة عربية يتهم فئة من فئات المجتمع المكون للبلاد العربية، وفي الوقت ذاته هناك تلميحات أميركية بأنها تستعد لضرب إيران بصاروخ جديد اسمه «بي 61 - 11» يستطيع اختراق التحصينات النووية التي قد تكون إيران تمتلكها في منشآت محاطة بالاسمنت المسلح تحت الأرض بعمق 260 متراً. إيران تقول إنها طورت أسرع «طوربيد» بحري في العالم، وإنها أصبحت ثامن دولة في العالم تستطيع تخصيب اليوارنيوم.
زادت على ذلك صحيفة إيرانية قالت إن إيران لديها أيضاً تكنولوجيا نووية «اندماجية/ التحامية»، وهي التكنولوجيا المتطورة جداً والتي من خلالها يمكن صنع القنبلة الهيدروجينية، وهو تصريح كاذب، لأن هذه التكنولوجيا لم يتمكن منها إلا القليل جداً، وهي أبعد بكثير مما لدى إيران (أو أي دولة أخرى في المنطقة) من تكنولوجيا. فما هو موجود هو تكنولوجيا «انشطارية/ إشعاعية»، والتصريح الصحافي الإيراني ربما كان يتوقع شيئاً ما، لأن الرئيس الإيراني قال إن لديه مفاجأة، ومن ثم علمنا أن تلك المفاجأة هي توصل الإيرانيين إلى تخصيب اليورانيوم من أجل توفير الوقود لتشغيل محطات الطاقة.
جميع التصريحات أعلاه تشير إلى اضطراب سياسي في العلاقات، وهي «مظلة» من التفجيرات الصحافية ربما لإخفاء شيء يدور في الكواليس، لأن أميركا تود الوصول مع إيران إلى حل بشأن العراق، والمفاوضات ربما تحاول إعادة الاتفاق الذي وقع في الجزائر العام 1975 بين الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، وكان ذلك الاتفاق ينص على ألا تتدخل إيران في الشأن العراقي مقابل أن تتنازل العراق عن مطالبها بشأن شط العرب... والمفاوضات الإيرانية - الأميركية ربما تتمحور حول شيء مشابه، فقد سبقتها الكثير من التحركات على الارض أيضاً... فهناك أعمال إرهابية داخل العراق وإيران، والطرفان يتهم كل واحد منهما الآخر بالوقوف خلفها. وأميركا ترسل طائرات استطلاع إلى إيران، وإيران أسقطت واحدة، كما أنه في العام الماضي سمع دوي انفجارات كبيرة في إيران لم يعرف مصدرها، ولا يستبعد أن الاميركان كانوا وراءها.
الوضع العراقي يقف خلف غليان «حرب التصريحات»، فالجميع يعلم بأن استقرار العراق لن يتحقق إلا بمشاركة الشيعة والأكراد والسنة في حكومة توحدهم ضمن اتفاق وطني يستطيع أن يحقق الأمن والاستقرار من ناحية، ويضمن حقوق الجميع من ناحية أخرى، وهذا سيتطلب خطوات جريئة، وتنازلات واعتراف كل طرف بالآخر.
الضحية في حرب التصريحات هي الحقيقة من جانب، والشعوب العربية والإيرانية من جانب آخر. فنحن في منطقة أنعم الله عليها بخيرات كثيرة، ولكننا الأكثر تخلفاً من ناحية التنمية الاقتصادية. فبينما كانت منطقتنا تأكل وتشرب الازمات والحروب في العقود الماضية، استطاعت بلدان لم تكن شيئاً في الماضي الصعود إلى أعلى مستويات الرقي الاقتصادي من دون أن تكون لديها الخيرات التي مَنَّ الله بها علينا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1315 - الأربعاء 12 أبريل 2006م الموافق 13 ربيع الاول 1427هـ