بعيدا عن شعارات الإنصاف والمصالحة التي انطلقت من المغرب، وهي الشعارات التي قد تجد صدى لها لدى وسائل الإعلام الغربية، أو لدى المنظمات الحقوقية الموزعة مقراتها بين واشنطن وباريس ولندن ومدريد، ما قد يشجع على منح الرباط هبات مالية أو مساعدات إنسانية، والأكثر من ذلك الترويج لمنشيتات صحافية تشيد بـ «التحول» الفريد من نوعه عربياً وإفريقياً (ربما في الأحلام)، فإن الواقع المغربي غير ذلك. واقع يدمي القلب، ويجعل من الشباب المغربي يرمي بنفسه في البحر، أو يبيع «مؤخرته» للسياح الأجانب، وهو ما باتت تحفل به صفحات الصحف المغربية.
ما دفعني لكتابة هذه الأسطر، ما نقلته يومية «الأحداث المغربية» الصادرة بالدار البيضاء في عددها ليوم الخميس قبل الماضي، إذ أقدمت السلطات المغربية ممثلة في السلطة التنفيذية بكامل شخوصها على إعدام مواطن مغربي مريض بعد أن منعت عنه العلاج، مفضلة رميه أمام بوابة مستشفى حكومي بمدينة الجديدة دون دواء أو علاج أو حتى مسكنات لفقره المدقع، ولعدم توفره على ما يعالج به نفسه، وكان المسكين في عز برد الشتاء وما رافقه من أمطار يتأوه يومياً تحت أنظار السادة الجزارين -- عفواً الأطباء - الذي يمرون أمام جسده المسجى أمام المستشفى دون أن يرف لهم جفن أو تدمع لهم عين أو يعتصر لهم قلب، هم الذين نلقبهم بقلوب الرحمة والرحمة منهم براء.
المهم مات المسكين، ليرحل إلى دار البقاء محملا السلطة المغربية من حكومة ومن وزير صحة ومن رئيس وزراء ومن... مسئولية قتله والإجهاز عليه.
بالموازاة مع هذه الجريمة التي ارتكبها مغرب العهد الجديد، ومغرب الإنصاف والمصالحة، وفي الوقت الذي كان يتم فيه توزيع شقق سكنية أقرب إلى علب السردين، على رغم شاسعة الجغرافيا المغربية الضيقة على أهلها من الفقراء، الواسعة على المسئولين من أحزاب وقيادات سياسية أكل عليها الدهر وشرب، كان النظام وفق ما نقلت صحف مغربية يوزع ضيعات فلاحية على قادة أحزاب سياسية (يقال إنها وطنية والله أعلم)، استفاد منها الجنرال السابق في الجيش الفرنسي خلال عهد الحماية المحجوبي أحرضان «زعيم» الحركة الشعبية، والخطيب «شيخ» العدالة والتنمية الإسلامي، الحزب الذي ينادي بالعدالة في تقسيم الخيرات (ربما بين أعضائه)، وتنمية الوطن (ربما وطنهم ووطن أبنائهم).
وفي الوقت الذي يجد أبناء المسئولين الساميين الشغل ينتظرهم بعد رجوعهم من الجامعات الفرنسية والكندية والأميركية ليشتغلوا مديرين عامين في كبريات الشركات «الوطنية» وقادة سياسيين يقودون هذا الجيش العرمرم من الفقراء، فإن أبناء هذا الشعب العاطل يموت رجاله أمام المستشفيات، ويغرق أبناؤه في المحيطات، أو يدفعون لممارسة الشذوذ أمام كاميرات «السائح الألماني»، أو تدفع نساؤه إلى الدعارة ليأتي «السائح البلجيكي» ليصورهن في أوضاع يندى لها الجبين.
الطبقة السياسية في المغرب ليست في حاجة لاستثمارات قد تأتي من الإمارات أو قطر أو السعودية، أو معونات وهبات تأتي من اليابان وكندا وفرنسا، بل في حاجة إلى تربية وأخلاق، وسمعنا في المغرب مباشرة بعد وصول البعض من «الرفاق- الاشتراكيين» (بالاسم فقط) إلى الحكم العام 1998 وهم يقولون: جاء دورنا لنأكل من الكعكة المغربية التي اقتسمها طيلة سنوات ما بعد الاستقلال «أحزاب المخزن» و«الجنرالات» و«الشرفاء»! وفعلاً فقد أوفوا بتعهدهم فتدلت بطون الغالبية من الاشتراكيين وازدادت ثروات الجنرالات، وبالتالي لم «يرفقوا» بهذا الشعب وهم «الرفاق»، ولم يشركونا معهم في «الكعكة» وهم «الاشتراكيون»، فيما نحن أبناء هذا الشعب ننتظر الفرج الذي قد لا يأتي، وهو ما انتبه إليه مغاربة الصحراء الذين عرفوا كيف تؤكل الكتف فتيقنوا أن «التنمية» تأتي بالتهديد بالانفصال، فيما مغاربة المناطق الأخرى ليس لهم من حل أو حظ في التهديد بالانفصال، إلا «الدعاء». الدعاء لمن وعلى من؟
الدعاء لـ «جلالة الملك» بتسديد خطاه بعد أن علم المغاربة صدق نواياه وتطلعاته تجاه وطنه وشعبه، وهو ما تمثل في جلب الاستثمارات والسعي لمحاربة نقط الفقر عبر جولاته المكوكية عبر مختلف المناطق والمحافظات المغربية، والسعي بكل السبل لحفظ الوحدة الترابية للمملكة.
والدعاء على الذين قوضوا مصالح الشعب ووزعوا «الوزيعة بينهم» حتى أصبح «المغربي» أرخص سلعة في بلاده لكي يأخذ الله حقهم كشعب منهم كأحزاب وإقطاعيين. في الأخير، لا يسعنا إلا أن نقول: رحم الله «شهيد» المغرب والمغاربة بعد أن قضى على يد «الحكومة المغربية» أمام مستشفى مدينة الجديدة، وهو الحدث الذي لو عرفته إحدى الدول التي تحترم نفسها لبادرت إلى تقديم الاستقالة، لكن لا حياة لمن ينادي
العدد 1314 - الثلثاء 11 أبريل 2006م الموافق 12 ربيع الاول 1427هـ