أصبحت إدارة الانتخابات الديمقراطية على درجة عالية من الأهمية بالنسبة إلى الدول التي تريد الالتزام الديمقراطي وكسب الشرعية الشعبية، ولقد أثبتت تجربة الكثير من البلدان أنه من الخطر التقليل من دور الجهاز الانتخابي بين الانتخابات وأثنائها، وحين يفتر الاهتمام الشعبي، ينبغي على جميع المشرعين والأحزاب السياسية ومجموعات المواطنين والقائمين على الانتخابات، أن يعملوا معاً لتحسين العملية الانتخابية والانطلاق من جديد.
وفي الرقابة على العملية الانتخابية يقول خبير الانتخابات غودوين جيل في مؤلفه «انتخابات حرة وعادلة»: تؤكد تجربة الدول وممارستها الحديثة أنه لابد من تأمين مراقبة العملية الانتخابية... ومن إيكال مسئولية التطبيق إلى مسئولين انتخابيين حياديين... فالآلية الرقابية المتمتعة بثقة الأحزاب والناخبين ضرورية جداً في الحالات الانتقالية من نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية مثلاً، أو كلما كان حياد السلطات الإدارية موضع تشكيك. إن الضمان الحقيقي للحقوق السياسية والانتخابية يلزم الدول... بوضع نظام انتخابي ملائم والوفاء بالالتزامات التي يفرضها عليها القانون الدولي فيما يتعلق بالحقوق الفردية... ووضع آلية حيادية أو متوازنة لإدارة الانتخابات التشريعية».
أما مشروع ايس لإدارة الانتخابات وكلفتها الذي تم تنفيذه بالشراكة بين منظمة الأمم المتحدة والمؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية (سئة) والمعهد الدولي للديمقراطية والمعونة الانتخابية (ءة)، فيذكر مبادئ أساسية ثلاثة، هي: الاستقلالية والحياد والاحترافية، يجب مراعاتها من قبل كل جهاز انتخابي.
الاستقلالية: بمعنى أن يكون الجهاز الانتخابي مستقلا حيال جميع الأحزاب والحكومة. ففي بعض البلدان، كما في بابوا - غينيا الجديدة وجنوب إفريقيا، يكفل الدستور استقلالية الأجهزة الانتخابية.
الحياد: بمعنى أن الجهاز الانتخابي لا ينحاز للحكومة أو لحزب أو لمرشح، ويحظى بثقة الأحزاب الكبيرة ولا يهتم بنتيجة الانتخاب الذي يديره بل يمارس دوره في خدمة الناخبين ويزودهم بالمعلومات نفسها ويؤدي الخدمات نفسها، مثل تجميع الأصوات وإعلان النتائج من دون الإضرار بأي حزب أو مرشح.
الاحترافية: وهي صفة في غاية الأهمية، يؤدي غيابها إلى تشكيك الناخبين في النتائج وعدم إقبالهم على الانتخابات حتى مع توافر المبدأين الأساسيين السابقين.
وفي المكسيك مثلا ومن أجل إضفاء الطابع الاحترافي على العمليات الانتخابية أنشأت مؤسسة الانتخابات الفيدرالية، دائرة انتخابية مهنية بهدف تدريب الموظفين الاختصاصيين على عمليات الخدمة الانتخابية.
وتأتي الشفافية من بين المبادئ العامة التي تضمن جودة العمليات الانتخابية، بمعنى إمكان إخضاع العمليات كافة لمراجعة دقيقة وأن تكون في متناول جميع المشاركين. كذلك يجب توافر الأنظمة الفعالة لتدارك عمليات التزوير في الانتخابات والمخالفات الانتخابية مثل قانون لمكافحة المخالفات مثلا مع علم الجميع بالعقوبات المرتبطة بكل انتهاك. كذلك يجب أن تكون المعلومات الانتخابية متاحة للرأي العام من خلال مديري الانتخابات.
وتذكر الأدلة الانتخابية الكثير من نماذج الإدارة الانتخابية، التي يختار فيما بينها البلد الواحد النموذج الأمثل المتوافق مع اعتباراته ومستوياته الثقافية والاقتصادية والسياسية والتعليمية، وتنحصر الخيارات الأساسية في: الأجهزة الدائمة أو المؤقتة، الحزبية أو غير الحزبية، الإدارية أو القضائية، الوطنية أو المحلية أو الإقليمية.
وهناك هيئات مختلفة للإدارة الانتخابية في كل من: أستراليا، أيسلندا، النيبال، إسبانيا، كينيا وإندونيسيا ونيوزلندة، وفي كوريا الجنوبية على سبيل المثال تشكل لجان الإدارة الانتخابية مع لجنة مركزية للانتخابات معينة لتستمر لمدة ست سنوات. وينتخب الأعضاء التسعة في اللجنة على النحو الآتي: ثلاثة من قبل الرئيس، ثلاثة من المجلس الوطني وثلاثة من قبل رئيس المجلس الأعلى للقضاء. أما الدول المتقدمة في تقاريرها للرقابة على الانتخابات في الدول الحديثة العهد بالديمقراطية، فتوصي بإنشاء لجنة دائمة لإدارة الانتخابات. فهي ترى في ذلك حلا لمشكلات تسجيل الناخبين، وزيادة نسبة المقترعين، وجلب الاحترافية للأداء الانتخابي، وبمبرر أن اللجنة الدائمة تبذل وقتا أطول في عمليات التدريب والتوعية الانتخابية، وكذلك الاستفادة من نتائج الانتخابات السابقة، بدلا عن البدء من جديد.
وفي الرد على سؤال: هل يحبذ تشكيل لجنة إدارة الانتخابات وفق المراسيم أو من قبل المجالس الوطنية؟ يرجح الخبراء في الانتخابات خيار التشكيل من قبل المجالس الوطنية، ويبررون ذلك بتقليص فرص الحكومة في تغيير العناصر وفق مصلحتها، وهذا يكون مهما على وجه الخصوص في البلدان الحديثة العهد بالديمقراطية مثل مملكتنا البحرينية.
ويجمع الخبراء على أن الفترة الفاصلة بين انتخاب وآخر هي الوقت الأمثل للتخطيط لبرامج تحديثية وتنفيذها مثل زيادة المكننة من دون التضحية بفاعلية العملية وصدقيتها مع مراعاة الموازنة المتاحة. فقد لا تكون التقنيات الطليعية مطلوبة، وبالتالي يتم الحد من الهدر، وقد يزعزع ذلك الثقة بالجهاز.
وها نحن نقبل على انتخابات بلدية ونيابية قادمة، وسط أجواء مليئة بالتكهنات والقرارات المفاجئة التي تنزل على رؤوسنا كقطرات الماء من حنفية معطوبة وكأن الأمر لا يعني الناس في شيء، في الوقت الذي ترتكز المعلومات لدى حفنة من رجال الحكومة الثقاة.
إن دراسة المعايير الدولية وأسس ومبادئ العمل الانتخابي المرموق، تظهر بونا شاسعا بين ما نعيشه اليوم وما ينبغي أن نعيشه تحت مشروع إصلاحي ديمقراطي لم يتحقق منه سوى ترديد المصطلحات الرنانة. فلماذا لا نشكل لجنة دائمة، مستقلة، لا حكومية لإدارة الانتخابات، على غرار كوريا الجنوبية أو غيرها بعضوية مواطنين نزيهين ومراقبين محايدين؟ هل خلت البحرين من الرجال والنساء الأكفاء؟ وأليس ذلك أدعى إلى بناء الثقة بين الناس والحكومة، تلك الثقة التي تضاءلت تدريجيا مع استمرار الحكومة في إهدائنا رزم القوانين والإجراءات المتعاقبة المثبطة للثقة والمليئة بسوء النية تجاه الآخر، حتى باتت في أدنى درجاتها؟
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ