العدد 1312 - الأحد 09 أبريل 2006م الموافق 10 ربيع الاول 1427هـ

عفواً يا ريّس!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل شهرٍ تقريباً، وفي أعقاب زيارة الرئيس حسني مبارك لمنطقة الخليج، كتب رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» افتتاحية ادعى فيها أن إيران تدفع راتباً شهرياً لكل «شيعي» في الخليج، وهو ما حوّله إلى أضحوكةٍ على ألسنة شعوب الخليج.

شخصياً، تلقّيت الكثير من الردود العفوية لخليجيين عرب «شيعة»، من بينها رسالةٌ هاتفيةٌ تتساءل: «وهل تحتسب مكافأة نهاية خدمة وإجازة سنوية وتأمينات اجتماعية وعلاوة زواج ومواصلات!». ولم تقتصر الردود على الخليجيين «الشيعة» المتهمين في ولائهم وعروبتهم كل يوم، وإنما تعدّتهم إلى اخوانهم الخليجيين «السنة»، إذ قال أحدهم: «أرجو ضمّ اسمي إلى قائمة القبض الشيعية لأن لا مصر ولا الأردن تدفع للسنة، فجماعتنا (برصين قوي)»!

وللرئيس المصري حسني مبارك طبعاً أن يدلي بأي تصريحٍ يحب لأي قناةٍ فضائية، وله أن يحجّ إلى الولايات المتحدة الأميركية كل عامٍ أو عامين أو خمسة أعوام، ولن نتهمه بالولاء للأميركان، لكن ليستميحنا عذراً إذا رفضنا تصريحه بشأن إدانة الشعب العراقي أو غيره من الشعوب العربية العريقة في الخليج بالولاء لإيران ولغير إيران، لمجرد أنهم شيعة.

وليسمح لنا فخامته أن نرفض هذا القول المرسل على عواهنه، فليس مقبولاً اتهام الناس في عروبتهم وانتمائهم ووطنيتهم. فكل هذه الدعاوى الباطلة مرفوضةٌ جملةً وتفصيلاً، سواء كانت من رئيس تحريرٍ مرتشٍ... أو من رئيس أكبر دولةٍ عربية.

المسألة هنا لا تتعلق بأقليةٍ هنا أو أقليةٍ هناك، وإنما هي تهمةٌ تمس قطاعاً كبيراً من التركيبة السكانية لدول الخليج، هذا الخليج القائم على التسامح والترابط والانسجام منذ قرون، ميراثاً إسلامياً كريماً تربّت عليه شعوب المنطقة، فتأتي هذه المزاعم والأضاليل لتفجّر وضعه من الداخل. فتوزيع الاتهامات الرخيصة هو بداية الطريق أمام الدعوات العنصرية وسياسة الاستئثار والتصفيات، التي تنتهي بالقتل على الهوية وتفجير المساجد تحت غطاء شرعي مزيف: «نحن المخلصون» وغيرنا «موالٍ للأجانب».

ومؤسفٌ جداً أن نضطر إلى استخدام المصطلحات المذهبية البغيضة، فهذه التصريحات الاستفزازية تدفع المنطقة وأوضاعها إلى الحافة، من دون أدنى شعورٍ بالمسئولية القومية، وكأن ما يجري في العراق وأفغانستان لا يكفي، لكي يتم استدراج شعوب الخليج الآمنة نحو المحرقة الطائفية، ولمصلحة من؟

إيران دولةٌ كبيرةٌ في المنطقة، لها مصالحها واستراتيجيتها، وهي في حال نزاع مع الولايات المتحدة الأميركية، قد ينتهي إلى صدامٍ مسلّحٍ تزهق فيه أرواح الآلاف، وتدمّر فيه المدن، وليس من مصلحة أحد - عربياً كان أو مسلماً - اتهام كتل بشرية كبيرة من شعوب الخليج في ولائها وعروبتها، واعتبارها توابع لإيران. وهو الجرم نفسه الذي دأبت عليه «السياسة العروبية القومية» التي اعتمدت رسمياً في العراق منذ أيام الملكية إلى آخر يوم في عهد صدام. سياسة دشّنها - للصدفة - «العروبي» ساطع الحصري، الذي أقنع الملك فيصل بإلغاء دارٍ للمعلمين كان سيفتتحها في الحلّة، فقط لأن المستفيدين منها سيكونون من «أبناء الجعفرية» كما قال!

يا فخامة الريّس، كخليجيين، لسنا بحاجةٍ إلى «أفغنة» الخليج أو «عرقنته»، وهو الدرب الذي يعبّده حتماً ترويج مثل هذه المزاعم والأباطيل... «كفاية بقى»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1312 - الأحد 09 أبريل 2006م الموافق 10 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً