العدد 1311 - السبت 08 أبريل 2006م الموافق 09 ربيع الاول 1427هـ

ظاهرة تغير المناخ العالمي... لماذا يجب علينا أن نهتم؟

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تعتبر ظاهرة تغير المناخ العالمي من الموضوعات المثيرة للجدل على مستوى العالم والشاغلة لاهتمام العلماء والسياسيين والمنظمات العالمية البيئية، لما يمكن أن ينتج عن هذه التغيرات المناخية من تأثيرات كارثية لها تبعات اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية متعددة على مناطق العالم المختلفة. وبعد فترة طويلة من الجدل والتشكيك في حدوث هذه الظاهرة لأسباب بعضها علمي وغالبيتها سياسي من قبل بعض الدول الصناعية المتقدمة والنامية، مستندة إلى أن التقلبات المناخية التي شهدها العالم في العقود الماضية ما هي إلا تقلبات مناخية طبيعية وليست بوادر لتغير المناخ العالمي وأنها لا تستدعي أن يتم تبطيء عجلة النمو الاقتصادي والصناعي، أثبتت الدراسات العلمية التي أجريت في الفترة الماضية حدوث هذه الظاهرة وأصبحت حقيقة لا جدال فيها، وأن الكرة الأرضية تمر بفترة دفيئة متسارعة بفعل أنشطة الإنسان الصناعية منذ بدء الثورة الصناعية.

وبحسب التقرير التقييمي الثالث للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (CCPI) الصادر في العام 2001 بعنوان «تغير المناخ: الأسس العلمية»، فإنه في المئة سنة الماضية ارتفعت درجة حرارة الأرض بمتوسط يبلغ 0,6 درجة مئوية. ويعزا السبب الرئيسي لذلك إلى زيادة نسبة غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكاسيد النيتروجين ومركبات الهالوكربونات، أو ما يسمى بغازات الدفيئة، التي تنتج من حرق الوقود الاحفوري (النفط والغاز والفحم) وحرائق الغابات وعمليات الإنتاج الصناعية. ومع أن هذه الزيادة في درجة الحرارة تبدو قليلة نسبياً مقارنة بالتذبذب في درجة حرارة الطقس اليومية، إلا أنها تعتبر عالية وجديرة بالاهتمام مقارنة بمتوسط درجة حرارة الجو العالمية، ولها تأثيرات كبيرة محتملة على إمدادات المياه ونوعية المياه، واستهلاك الطاقة واستخدام الموارد الطبيعية، والأنظمة والتجمعات السكانية الساحلية، وموائل الحياة الفطرية، وإنتاج الغذاء ومتطلبات الري، وصحة الإنسان، وغيرها من الأمور الحيوية للإنسان والحيوان والنبات.

وتحذر دراسات نماذج محاكاة المناخ العالمية Global Circulation Models من أنه إذا لم يتم تقليل انبعاثات غازات الدفيئة في العالم بشكل حاد وكبير في الفترة الحالية، فإنه من المتوقع أن يرتفع متوسط درجة حرارة سطح الكرة الأرضية من 1,4 إلى 5,8 درجات مئوية مع بداية القرن المقبل (أي بعد نحو 100 سنة). وتعتبر هذه الزيادة المتوقعة عالية جداً مقارنة بمعدل التغير الطبيعي منذ العصر الجليدي الأخير للكرة الأرضية (100 ألف سنة) والبالغ 2 درجة مئوية لكل ألف سنة. ولقد لوحظ أن ارتفاع درجات الحرارة الحالي قد أدى إلى اضطراب التوازن البيئي في الكثير من البيئات القارية والبحرية على السواء، إذ إنه من المتوقع أن يؤدي قصر فترة الشتاء إلى الكثير من التأثيرات على الحياة الفطرية ومواطنها ومواعيد هجرتها وتكاثرها، أما بالنسبة إلى البيئة البحرية فيهدد ارتفاع درجة الحرارة وظائف الشعب المرجانية الحيوية للثروة السمكية ويؤدي إلى ابيضاضها (خسارة أنسجة الشعب المرجانية للطحالب والكائنات الدقيقة الرئيسية التي تزودها بالغذاء وتحول لونها إلى الأبيض)، ولقد لوحظ التأثير المباشر لارتفاع درجة الحرارة على الشعب المرجانية الواقعة في شمال شرق أستراليا feeR reirraB taerG، والذي تم اعتباره على أنه مؤشر واضح لبدء التأثيرات المدمرة لظاهرة ارتفاع درجة الحرارة على الثروة البحرية.

كما تشير الدراسات إلى أن ارتفاع درجة الحرارة سيكون مصحوباً بارتفاع في مستوى سطح محيطات العالم من 15 سنتيمتراً إلى متر واحد (اعتمادا على توقعات ارتفاع درجة الحرارة أعلاه)، وذلك بسبب ذوبان الجليد وتمدد مياه المحيطات بسبب ارتفاع درجة الحرارة. وتدل دراسات المراقبة للقطب الشمالي في العقود الماضية إلى أن تناقص مساحة القطب الشمالي يحدث بمعدل 9 في المئة كل عشر سنوات، ويتنبأ البعض بأنه بنهاية هذا القرن سيكون القطب الشمالي خالياً من الجليد في موسم الصيف. وإذا نظرنا إلى المعدلات السابقة لارتفاع مستوى سطح البحر سنجد أن القرن العشرين (الماضي) شهد ارتفاعاً لمستوى سطح البحر بمتوسط يبلغ 1,5 ملليمتر في العام، وهو 10 أضعاف المعدل الذي حدث في الثلاثة آلاف سنة الماضية، ومن المتوقع أن يزداد هذا المعدل بشكل أكثر حدة في الفترة المقبلة بسبب ظاهرة تغير المناخ، ومن المتوقع أن يكون لهذا الارتفاع لمستوى سطح البحر تأثيرات كبيرة على المناطق الساحلية والتجمعات السكانية الواقعة بالقرب منها.

أما التأثير الآخر الكبير المتوقع لظاهرة تغير المناخ فهو تأثيرها على الدورة الهيدرولوجية للكرة الأرضية، إذ تشير نماذج محاكاة المناخ العالمي إلى أنه من المتوقع أن يكون المناخ أكثر سخونة وبالتالي ستزداد معدلات البخر من أسطح التربة والنباتات، مؤدية إلى زيادة الرطوبة في الجو وزيادة حالات الأمطار الشديدة والأعاصير، وستؤدي بشكل عام إلى تقلبات حادة في الجو تزيد من فترات الفيضانات والجفاف وبشكل أكثر حدة مما هي عليه الآن، كما تشير الدراسات المستقبلية إلى أن ظاهرة تغير المناخ ستكون مسئولة عن 20 في المئة من ندرة المياه المتوقعة في المستقبل، ما سيؤدي إلى زيادة التحديات في إدارة الموارد المائية في جميع مناطق العالم الرطبة منها والجافة.

ومحلياً، تحمل هذه الظاهرة الكثير من التحديات المستقبلية لمملكة البحرين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فعلى رغم انخفاض مساهمة البحرين في انبعاثات غازات الدفيئة، إذ لا تتعدى هذه النسبة 0,1 في المئة من الانبعاثات الكلية العالمية (تأتي الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأولى بنسبة 27 في المئة، تليها الصين، والهند، وأوروبا)، فإنها تعتبر من أكثر دول العالم تضرراً من هذه الظاهرة، وذلك بسبب طبيعتها الجغرافية كدولة جزيرية صغيرة محدودة المساحة والموارد الطبيعية والمائية وتتميز بانخفاض مستواها عن سطح البحر، بالإضافة إلى وقوعها أصلاً في منطقة جافة تتميز بهشاشة بيئاتها وحساسيتها العالية للتغيرات البيئية الحادة. وللأسف، لا يوجد لدى المملكة من خيارات لوقف تأثيرات هذه الظاهرة إلا عن طريق التكيف معها وتخفيف أضرارها المستقبلية المتوقعة.

وفي المقال القادم سيتم التطرق إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتوقعة لظاهرة تغير المناخ على مملكة البحرين، وخصوصاً على الموارد المائية، والطرق المتاحة للمملكة لتخفيف آثارها

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1311 - السبت 08 أبريل 2006م الموافق 09 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً