قبل 30 عاماً كتب المفكر السوري خالص جلبي كتابه القيم «النقد الذاتي»، وكان يهدف به انقاذ الحركة الإسلامية من خطر الانزلاق إلى العنف المسلح تجاه بعضها بعضاً أو تجاه الانظمة. بلا شك - وكما هي العادة - نصبت المشانق إلى خالص جلبي واتهم بالتآمر على الحركة وهناك من ألقى عليه حجارة الاتهام. الآن اكتشف الرجل ومدى رجاحة عقله، بالأمس اتصلت به وكلمته في الهاتف على أمل اصطحابه إلى مركز الحوار الثقافي لإلقاء كلمة عن الوسطية في الإسلام واتفقت معه ان كان هناك امكان للاتفاق مع بعض دور النشر لطباعة كتابه، هذا الكتاب كتب عنه واشاد به النفيسي في كتابه القيم «الحركة الإسلامية ثغرات في الطريق». ما أريد أن اقوله إننا كأمة إسلامية نحتاج إلى النقد الذاتي وليس التجريح، وانا هنا عندما أمارس عملية النقد لأداء الحركة الإسلامية في البحرين اريد بذلك طرح رؤية نقدية تحمل الحب لهذه الحركة لأجل بناء وطن معافى من الأمراض، وليس من أجل ايقاد الحرائق أو القاء الزيت الحار على وجه المعارضة أو الحركة. أؤمن ان لا احد فوق النقد والشخصية العامة يجب ان تنتقد واركز هنا تنتقد لا أن تجرح أو تضرب تحت الحزام. هناك شيء يسمى أدب الاختلاف وحضارة الاختلاف. أوجز نقدي للحركة الإسلامية في البحرين في نقاط:
- غياب القيادة الشعبية التي تمتلك مؤسسة معرفية قادرة على التعاطي مع الحوادث بعقل منفتح وبرؤية واضحة. هناك حال من التخبط والعشوائية في خطب الرموز وحال من القلق وعدم الاستقرار على رأي سياسي أو موقف سياسي واضح (المقاطعة والمشاركة مثالاً وكذلك الموقف من المؤتمر الدستوري أو دستور البحرين). الشخصيات الشعبية لا تمتلك حواليها كفاءات علمية تخصصية بل موالين وهو عين ما يعاب على الانظمة العربية وهذه الشخصيات في مواقفها تتكئ على التجربة التاريخية والخبرة التي تمتلكها وهذه الخبرة تراكمت لسنين طويلة لكنها أيضا بعيدة عن مواقع التأثير السياسي أو مطابخ القرار، وبعيدة عن متابعة الكتب الفكرية والثقافية التي ترصد مكامن التغيير على مستوى العالم. هذا، إضافة إلى الاقتصار في الانفتاح الفكري والثقافي والاجتماعي على الدوائر ذاتها المغلقة التي تعيش التوجه ذاته فلا يتم سماع إلا رأيا واحدا، ولهذا من ضمن الإشكالات التي تؤخذ على المجلس العلمائي البحريني انه يمثل طيفا واحدا ويسمع رأيا واحدا لهذا لا يمكن اختزال الموقف الشيعي عبر هذا المجلس الذي نكن له احتراما لكنا لا نستطيع ان نوافقه في كل الامور. فهو لا يستطيع ان يلبي حاجات الشباب المسلم المنفتح الذي يبحث عن لغة منفتحة وخطاب عصري مواكب لتطور العصر من دون ان يلغي ثوابت الدين. والمجلس لا يمكن ان يستقطب الكوادر المثقفة من الشباب ممن انفتحوا على علوم الانثروبولوجيا والدارسين في اعرق الجامعات الغربية والسبب في ذلك أن مثل هذا الجيل المثقف يبحث عن لغة جديدة لغة ما بعد العولمة، فهو لا يكتفي بأن تقول له: الإسلام هو الحل ثم تصمت، لابد أن تقدم له النظرية الإسلامية في السياسة والاقتصاد. إن كثرة المصارف الإسلامية لا يكفي في ذلك.
أما بالنسبة لخطب الجمع ابتداء من المحرق إلى البديع إلى كثير من مواقع البحرين خطب تمتاز بالاخلاص لله وللناس لكنها لا تلبي عطش الشباب المسلم فهي خطب - على اخلاصها -يغلب عليها طابع الوعظ والارشاد فقط وتفتقر إلى المادة العلمية المعرفية التي تعمل على تفكيك القضايا السياسية والاقتصادية ثم إعادة تركيبها، وتعاني أيضا من إشكال التكرار في الجمل والعبارات وتفتقد العمق في تحليل الظواهر وتلتجأ إلى التبسيط في تحليل الظواهر السيولوجية والسياسية وهي إشكال لخطب المسلمين جمعاء. بالتالي تبقى الإشكالات عالقة، ويبقى الشاب المسلم يبحث عن حلول، لهذا نجد الشاب يبقى مستمراً امام برنامج «أوبرا» أوغيره من البرامج الاسرية ذات التخصص وذات الابعاد المؤثرة.
علماء الدين في البحرين يمتلكون الاخلاص لكنهم لا يمتلكون دقة تشخيص القضايا وكيف تتناسب ردة الفعل مع الحدث وهذا أمر طبيعي بسبب غياب الإدارة المعرفية والكادر المعرفي والمؤسسة القوية التي لو وجدت لنقدت الكثير من المواقف. كما أن هناك إشكالات كبرى مازالت تساهم في تشتت الخطاب وهي غياب شخصيات ناقدة تعمل على ايصال صوتها الناقد لأي خلل أو ظاهرة بسبب الخوف من الفرز المجتمعي الحاد، والإشكالية الأخرى عدم الاستعانة في التشاور في الاراء، أي غياب مجلس شورى حقيقي يستطيع ان يبدي رأيه في اي موضوع. مازال التشخيص في الساحة السياسية البحرينية فردياً ولا شك أن ذلك يكثر من الوقوع في الاخطاء
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1311 - السبت 08 أبريل 2006م الموافق 09 ربيع الاول 1427هـ