العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ

توجيه الزمن!

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

يقع الماضي والحاضر في جوف الزمن المتحرك، يتعاقبان سرمديا ويتداخلان حلزونيا ليشكلان مجتمعين تاريخ تطور المجتمعات، فلا يجوز عزل الواحد عن الآخر أو منع تأثير بعضها في بعض إلا وفق انزياحات قهرية تقع ضمن قانون نفي النفي حين يتطهر فيها الحاضر من رزايا الماضي ويفرض التغيير منطقه. انما من مقتضيات التوجيه الدال على اليقظة الحضارية المتحفزة لتكثيف المتراكم الايجابي هو استثمار ما ينتج من تفاعلات لهذه المتغيرات لتوجيه بوصلة الزمن باتجاه المستقبل بناءً على ماض مصفى يستلزم تدخل الإنسان في قوانين حركته الاجتماعية ليستل منه أنقى عبرة لتجاوز الحاضر، بوصفه نفقا يرشح من خلاله ضياء صنعه وبديع تخطيطه، عبورا إلى المستقبل، نقطة التقاء الحلم الجمعي بفضاء خالٍ من أسباب الضغينة والاحتراب.

والحاضر الإنساني هو نتاج لتفاعلات وقعت في سياقات اتصفت بالتعدد والاختلاف في الماضي، وبالتالي فالحاضر هو الذي يجب أن يشكل بؤرة الاهتمام ومحورها، وذلك بتلمس انعكاسات الماضي عليه والبحث عن كيفية جعل المستقبل أكثر إشراقا وتطورا من الماضي والحاضر معا. أي أن يكون الاهتمام منصبا على تهيئ الظروف وتسخير الإمكانات لبناء مستقبل تتجاوز إمكان العيش فيه ما كان في الماضي وما هو كائن في الحاضر. لذلك فان ماضي البشرية بكل ما ينطوي عليه من نجاحات واخفاقات وأسئلة مؤجلة لم يحن الوقت بعد للاقتراب منها لعدم وضوحها في أفق العلوم الطبيعية ومتوقع انعكاساتها على الحياة الاجتماعية، وذلك ما اتفق على وصفه بنسبية المعرفة الإنسانية بالحقائق، لا مجال لغير الإقرار بأهمية تأملها، والاتعاظ بدروسها وعبرها. ووجه الأهمية التي يكتسبها في ذلك هو أن الماضي هو الأساس الذي تراكم عليه الأمم مجدها التاريخي، الذي هو في المحصلة النهائية تاريخ البشرية في ظل الفهم المنطقي، لسنن التطور والارتقاء بالانتماء إلى كيان حضاري أنساني واحد متعدد المصادر ومتعرج الروافد ومتموجها.

لذلك فان نبش الماضي، وسبر تواريخ حوادثه، واستحضاره على الدوام، في عملية مراجعة ومساءلة هي ضرورة تستوجبها الحال الإنسانية في موقعيتها الصراعية مع معوقات النهوض الإنساني التي تؤججها الرغبة من اجل تسهيل وتحسين مسارات التوجه صوب المستقبل، وصوغه وفق استلهام العناصر الإيجابية في تاريخ الأمة، أية أمة، بطريقة تتيح لها رؤية الآفاق بشكل أفضل، ولبناء أمكن وأجمل.

وليس جديدا القول إن كل جيل من الأجيال، وبحسب معطيات ظرفيته التاريخية، يحقق الأهداف التي تتناسب والمرحلة التاريخية التي هو من ضمنها، أما ما لا يتناسب مع المرحلة فانه، وبشكل تلقائي، غير مخطط، يرحل إلى الجيل الذي يليه، وإذا لم يتحقق يعاد ترحيله أيضا إلى الذي بعده وهكذا دواليك، ضمن نظرية تراكم الحقائق النسبية، ليكون من ضمن أولوياته بحسب الظرف التاريخي عندئذ.

ولابد لنا في هذا السياق أن ندرك أن التاريخ ليس متنزها تمتلئ جنباته بالزروع الخضراء والورود اليانعة، ويفيض بالإجابات الجاهزة على كل الأسئلة لتكون قابلة للنقل الآلي من حيزها الموضوعي لتطبق في شكل تراكيب لسد الصدوع وترميم الشروخ في فضاءات مغايرة من حيث ظروفها الزمانية والمكانية ومعطياتها الحضارية. فهذه لعمري هي سكة الكسالى في الحياة، والاتكاليين من الناس، حين يتم التعاطي مع المواقف بهذه النمطية، والأخذ بمفرداتها بمعزل عن الواقع وشروطه الموضوعية والذاتية، ذلك أن التاريخ ليس إلا مجموعة من الأسئلة تشكل في جملتها جمرات متقدات، حارقات تتصدى لها الأمم ذوات الإيرادات الحديدية التي لا تلين ولا تنكسر للإبقاء على مكانتها التاريخية، والارتقاء بها إلى ذرى أرفع مكانة وأسمى في سلم الحضارة الإنسانية، وذلك عبر تجددها وتجديدها بالمعالجة والتصويب لأوجه الخلل الممارساتية، التي لا تعدمها التجربة الإنسانية، شريطة أن تكون الإرادة ميممة شطر المستقبل ، الذي يمثل أفضل تراث لنا وللأجيال اللاحقة، باعتباره الغد الذي ستتعايش فيه شعوب الأرض قاطبة . إذ كيف يستقيم الانتقال إلى مستقبل سعيد من دون أن نجتاز الحاضر عبر سبر أغوار أسئلة الماضي والكشف عن ماهيتها وملابساتها وحجمها بكل شفافية لتأمين منطلقات علمية لإجابات محددة على كل الأسئلة الملحة، الموروثة عنه، تفتح الطريق لعبور خالٍ من العثرات أو قليلها، ويتم توظيفها لخدمة الهم الجمعي المتمثل في إشاعة الأمن والسلام، الذي من دونه سيظل المستقبل المحلوم به لتعايش الشعوب طي الغيب، ورهين الاستحالة ضمن الاجتهادات التي لا تنفك تستزرع شروط الموت وتهيء لها في دأب متناه على أن تعمل باتجاه نشر ثقافة السلام وخلق أساساته، لتعتلي المشهد عناوين التنمية في شتى المجالات. فما هو المستقبل الذي ينبغي علينا رسمه وفق معطيات الحاضر ومكنوزات الماضي؟ في اعتقادي، أن أولى أولويات الرزانة الوطنية هو نبذ الطائفية بجميع أشكالها، تعويلا على سماحة أهلنا المتوارثة من أجيال. ثانيهما استثمار جميع الفرص المتاحة والعمل على انتزاع مكاسب جديدة ضمن مساحة الحرية المتاحة، ونبذ العنف. القراءة المتبصرة فيما يجب أن يكون عليه المجلس التشريعي، اذ إن تجربة الأربع سنوات الماضية أتاحت متسعاً من الوقت للتعرف على إمكانات الكثير من نوابنا الأفاضل المتواضعة. فهذه التجربة ينبغي أن تستثمر في تجويد اختياراتنا اللاحقة، التي لا ينبغي أن تكون طائفية أو مذهبية أو قبلية أو مناطقية أو غيرها

العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً